13 سبتمبر 2025
تسجيلكان طلحة بن عبدالرحمن بن عوف أجود قريش في زمانه، فقالت له امرأته يوماً: ما رأيت قوماً أشد لؤماً من إخوانك، قال: ولم ذلك؟ قالت: أراهم إذا اغتنيت لزموك، وإذا افتقرت تركوك! فقال لها: هذا والله من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بحقهم. وقد علَّق على هذه القصة الإمام الماوردي فقال: انظر كيف تأوَّل بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فعلهم حسناً وظاهر غدرهم وفاءً، وهذا والله يدل على أن سلامة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة. فكم من قطيعة بين الإخوة والأخوات والأقارب والأصدقاء بسبب وشاية أو نميمة يُراد بها إفساد ذات البين، غابت عنها سلامة الصدور وتصدرت أحداثها الشكوك والنوايا السيئة، ولعلنا الآن نعيش طفرتها في زماننا هذا على وجه الخصوص، فتباعدت القلوب واكتفى كل بنفسه فلم يعد محتاجاً لأحد، وصار همه الانشغال في مشاغل الدنيا وملذاتها، وجهلوا أن الفائز والفالح من اغتنمها لمرضات علّام الغيوب. استحضرتني قصة يرويها أحد الرواة عن أخ وأخيه الذي يصغره في العمر وقد حدثت هذه القصة في ثمانينيات القرن الماضي، وكان للأخ الصغير أرض فارغة في موقع جيد بوسط المدينة التي يعيشون فيها، وقد احتاج لمبلغ من المال فعَرَض هذه الأرض للبيع، وكان أخوه الكبير في سعة من المال ولديه الخير الكثير، فلمّا علم بأن أخيه عَرَضَ الأرض للبيع التقى به وأوضح له بأنه يرغب بشرائها بالمبلغ الذي يعرضه، فقال له أخوه: سأبيعها بأعلى مبلغ يصل له المساومون عليها. فعَرَضَ عليه شراءها بأعلى من المبلغ الذي سيصل له سعر العرض، فلما وصلت اشتراها ودفع قيمتها لأخيه الصغير. وكان الأخ الصغير في كل مرّة يذكّر أخاه بتحويل الأرض باسمه لأن الدنيا حياة وموت وحتى يبرئ ذمته، وفي كل مرّة يقول له: ليس الآن، فلتبقى باسمك فليس بيني وبينك فرق، ومرّت السنين بعد السنين ووصلت قيمة الأرض إلى قيمة فلكية والأرض لا تزال باسم الأخ الصغير، ونفسه تخالجه وتراوده بشأن هذه الأرض وكيف أنه باعها بمبلغ بخس وهي الآن سعرها وصل إلى الملايين، حتى وصل به الحال أن حملت نفسه الضغينة والحسد لأخيه، حتى أنه من سوء ظنه في أخيه صار لا يطيق رؤيته لأنه يعتقد أنه ضحك عليه عندما اشترى هذه الأرض بتلك القيمة التي لا تساوي شيئاً في هذا الزمان، وفي أحد لقاءات الأخوين وأخواتهم مع أمهم تبيّن من خلال ملامحه أن هنالك خطبا بينه وبين أخيه الكبير، ليسأل أخاه الكبير بنبرة عالية: إلى متى وأنت لا تريد تحويل الأرض التي اشتريتها مني قبل 20 عاماً باسمك؟ ماذا تقصد من هذا التصرف؟ فابتسم الأخ الكبير في وجه أخيه وقال: اشتريتها منك لأقضي حاجتك حينها ولأحفظ الأرض لك لقادم الأيام والسنين، حتى إذا أردت أن تبيعها بعتها بمبلغ ينفعك وينفع أبناءك، فأنت عندي بمثابة الابن لأبيه وحرصي عليك لا حدود له، فالأخ لا بديل له ولا يعوض بكنوز الدنيا، ولذلك لم أحوّل الأرض باسمي لأضمنها لك ولم أخبر أحداً بأني ابتعتها منك وأخفيت عن الجميع ذلك. لم يكد الأخ الكبير أن ينتهي كلامه حتى ذرفت عينا أخيه من هول الموقف وكرم وفضل أخيه مقابل الشكوك وسوء الظن الذي ظل يساوره طوال تلك السنين. فاصلة أخيرة سلامة الصدر نعمة من نعم الجنة، لا يؤتاها إلا من وفقه الله، فمن سلم صدره لأهله وأحبابه فقد أنعم الله عليه بنعيم أهل الجنة وهو في الدنيا.