19 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أن عاش الشعب السوري لاثنتي عشرة سنة في جوف الكارثة التي خلقها نظامه، أدرك الشعب تمام الإدراك أن النظام هو الكارثة كلها وليس جزءاً منها، بينما كانت دول عربية بعد مضي كل هذه المآسي والكوارث بحق السوريين والمنطقة تظن أن النظام ربما يكون جزءاً من الحلّ، ولا بد من إعطائه فرصة جديدة، فألقت إليه خشبة الخلاص عبر المبادرة الأردنية وإعادة مقعد الجامعة العربية إليه، ولكنه كعادته ركلها بقدميه، وأصرّ على الحل العسكري التدميري الذي انتهجه منذ اليوم الأول، وهو استمرار لنهج الأب المؤسس حافظ الأسد، لكن هذا النهج لم يكن بحق السوريين وإنما غدا اليوم بحق المنطقة كلها، فانعكس بشكل واضح وجلي على تطوير أساليب تفجير المنطقة من غرقها بالكبتاغون إلى غرقها اليوم، بإرسال الأسلحة والمتفجرات إليها، ليثبت للعالم أنه ليس الاستثناء، وإنما الكل يعيش في الفوضى والخراب والدمار الذي هو في الواقع والحقيقة من بنيات أفكاره وصناعة يديه. وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة كشف أخيراً عن موقف أردني ربما عجز عن تعبيره الموقف الرسمي وهو أن النظام السوري أهمل كل الملفات المتعلقة بالحل السياسي وعودة اللاجئين، وما يهم المنطقة من ملفات، ليصر على التعاطي مع الملفات التي تهمه فقط، وسبق هذا التصريح وصف قائد الجيش الأردني السابق الفريق المتقاعد «محمود فريحات»، نظام بشار الأسد بأنه أكثر الأنظمة ديكتاتورية وأكثرها ارتكاباً للجرائم على مدار سنوات بمساعدة من إيران وروسيا و»حزب الله « اللبناني. أهمية التصريحات الأردنية التي تأتي بعد مهاجمة وزير الصناعة الأردني للنظام السوري لمنعه دخول شاحنات البضائع الأردنية إلى داخل الأراضي السورية، تكمن في كون الأردن هو من طرح المبادرة العربية، ونظريته القائمة على الخطوة خطوة، للتطبيع مع النظام، فتم منحه مقعد الجامعة العربية، لتثبت بعد أسابيع فشلها، نتيجة إصرار وتكبر وتغطرس النظام السوري الذي يرفض أن يتنازل لشعبه حتى يتنازل لدول الجوار. الكارثة السورية لم تعد خاصة بالسوريين بعد نقل مفاعيلها إلى دول الجوار، لاسيما مع دخول شرائح مجتمعية سورية جديدة على خط الثورة السورية، وأهم هذه الشرائح السويداء والتي رفعت سقف مطالبها اليوم لإسقاط النظام السوري، إذ لا يخفى حجم التداخل والتشابك الجغرافي والديمغرافي في السويداء مع المحافظات الأردنية والسياسة الأردنية، بالإضافة إلى تداخلاتها مع دروز فلسطين المحتلة، وهو ما يعني أن الكارثة السورية لن يقتصر تأثيرها، وتداعياتها على السوريين في ظل إصرار النظام على عدم الالتزام بالقوانين الدولية وعلى رأسها قانون 2254، وأتت انتفاضة العشائر في الجزيرة السورية لتلقي بأحجار في مياه سورية راكدة، والعشائر العربية كما هو معروف لها امتداداتها في دول الجوار، وكذلك في الخليج العربي، وهو الأمر الذي سيلقي بتداعيات مباشرة على تلك الدول، كون أهالي العشائر لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون أقاربهم يعانون ويظلمون. ليس أمام المجتمع العربي والدولي إلاّ الأخذ على أيدي النظام السوري، ومقولة متكلسة أثبت فشلها من أن الحوار السوري ـ السوري هو الحل، أكذوبة، فقد أثبتت عقمها طوال السنوات الماضية، فالنظام لم يعد سورياً بعد ارتهانه لدول دولية واقليمية، وحمايته من قبل عشرات المليشيات الطائفية، ومقولة الحوار السوري السوري ربما تثمر في حالة واحدة، وهي في حال رحيل الاحتلال وإسقاط النظام، ولعل ما حصل من أنموذج حوكمي في الشمال المحرر بإدلب وغيره يشكل بداية خارطة للطريق، لاسيما وأن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري اليوم تطالب بأنموذج إدلب بعد أن عجز النظام وبحماية احتلالات أجنبية وباعتراف دولي عن أن يحقق للأهالي نزراً يسيراً مما يعيشه أهالي الشمال السوري المحرر. الجرح السوري يتقيّح، وقيحه اليوم يصيب دول الجوار، وما لم يعالج هذا الجرح فإنه سيمتد إلى الجسد العربي والجسد الجواري، وإن أصابته الغرغرينا لا سمح الله، فقد يُبتر أعضاء من هذا الجسد السوري أو العربي فهل من متعظ؟!