31 أكتوبر 2025
تسجيلدائما ما أُسأل عن حقيقة الشخصيات والقصص والاحداث التي أوردها في مقالاتي، ولتوضيح ذلك أقول بأن ما اكتبه هو مجرد قراءة لما يدور في مجتمعنا، أحاول ان اقدمه بصورة قصصية مبسطة للاتعاظ والنصح، وقد تكون هذه الاحداث جرت فعلا او نسجتها من خيالي بأسلوب مختلف، وذلك استشرافا لموضوع او حدث معين، اما بما يخص الشخصيات فهم موجودون في مجتمعنا فعلا في كل زمان ومكان قد نعرفهم وقد نجهلهم، وانا لا اعني او اقصد أي شخصية معينة بعينها في مقالاتي. والآن الى مقال اليوم. وقف مثل الطود شامخا امام أنصاره في اول اجتماع جماهيري له منذ أن اعلن قراره التاريخي لترشحه في انتخابات مجلس الشورى، وبدأ خطبته العصماء بإلقاء الضوء على نشأته وترعرعه في ربوع دائرته، وراح يسرد اجمل ذكرياته مع اقرانه من أبناء الدائرة العظيمة، ثم تطرق لأمجاده واعماله المنقطعة النظير عندما كان موظفا في احدى الدوائر الحكومية، والتي تفانى من خلالها في خدمة مجتمعه ووطنه، وأخيرا بدأ يتلو على الحضور برنامجه الانتخابي، والذي بلا شك يتناول فيه قضايا مجتمعية ومصيرية كثيرة سيعمل بكل جد ونشاط على المضي قدما في سبيل تحقيقها، فذكر تطوير التعليم وتحسين الخدمات الصحية وتعديل أوضاع المتقاعدين والعناية بالعجزة وذوي الإعاقة والارامل والمطلقات، وكذلك ألمح الى دراسة التشريعات والقوانين وتقديم المقترحات والحلول، وفي الختام شكر الحضور وشد على أيديهم في دعمه والتصويت له ومساندته ومؤازرته. انتهى المرشح من إلقاء كلمته وبدأ في تجميع اوراقه التي كان يستقي منها كلمات خطبته، وأشار الى مذيع الحفل بأنه جاهز لسماع أي استفسارات او مداخلات من الحضور إن أرادوا ذلك، وهو في قرارة نفسه يتمنى ان ينصرفوا دون أسئلة او نقاش، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، "فنط" (أي قفز او قام) شاب من الحضور يبدو عليه انه بالكاد أنه أتم عامه العشرين فرفع يده مستأذناً بالحديث، فأذن له المرشح قائلا بكل ادب ودماثة خلق "تفضل يا ولدي" فقال الفتى اليافع "لو سمحت بغيت انشدك انت قلت انك بتحسن الخدمات الصحية، فشلون بتحسنها، وهل الخدمات الصحية عندنا سيئة علشان نحتاج تحسينها؟ واذا كان هناك خلل فهل الخلل في القوانين او في تنفيذها؟ وشنهو اللي بتسويه بالضبط من إجراءات للإصلاح؟ وشكرا". تفاجأ المرشح من راجمة الصواريخ التي فتحت عليه سيلا من الأسئلة التي لا تصد ولا ترد، فهو لم يتوقع ان يسأل عن تفاصيل برنامجه الانتخابي، وكان يعتقد بأن تسطير بعض الشعارات والآمال للناخبين سوف تكفي، والادهى والامر أن هذه الأسئلة جاءت من شاب في عمر ابنائه، فتلعثم قليلا ثم التفت الى احد مساعديه الجالسين بجانبه وهمس في اذنه قائلا "يا الله رقع يا مرقع، وهقتنا اللحين انا قايل لك ماله داعي نخلي الاجتماع مفتوح للجميع، كان جمعنا ربعنا وقلت كلمتي قدامهم وصورنا ونشرنا الصور وتعشينا وخلصنا، اللحين خبزن خبزتيه يا الرفله اكليه (مثل شعبي يقال فيمن يقدم على عمل دون أن يدرك نتائجه المستقبلية)، "فكني من ذا العله اللي نقز لي" فقام المساعد الأمين وقال "اشكر الأخ على السؤال ولكننا الآن في مرحلة الإعداد والدراسة وابشركم ان كل الأمور متابعينها وان شاء الله مجهزين لها ترتيبات بتسر خواطركم"، وما إن انتهى المساعد من الرد حتى تكلم الشاب مرة أخرى قائلا "لو سمحت انت ما جاوبتني على تساؤلاتي؟" هنا لم يتمالك المرشح نفسه فوقف وقال "يا ولدي صجيت روسنا (أي اصابنا الصداع) بارك الله فيك اقعد وخلي اللي اكبر منك يتكلم وعط غيرك فرصة"، لم يرتدع او يأبه الشاب لكلام المرشح فقال "شنهو يعني صجيتك انت مب مرشح لتمثيلنا كلنا وانا لي حق اوقفك واسألك حتى اقتنع بأنك الاكفأ والأفضل لتمثيلنا، شنهو يعني تبينا نصوت لك بس منيه والطريق (عبارة معناها كيفما اتفق)، ما يصير هالكلام وانا من حقي اني اسأل أي مرشح في الدائرة قبل التصويت"، في هذه اللحظة ادرك المرشح انه امام شاب مثقف ومتعلم ويدرك حقوقه الانتخابية، فقال في محاولة أخيرة لاحتواء الموقف "يا ولدي الله يهداك مالك الا طيبة الخاطر وأنشد عني شيبانك وبيعلمونك وخلنا نخلص ذا الليلة على خير"، جلس الشاب وهو غير مقتنع بما حدث، وانتهت الليلة على عشاء فاخر احتوى على "مفطحين واحد كبسة والثاني برياني". وختاما أقول: أهل الكويت عندهم مثل يقول "كلام يشيش وفعل ماميش"، فقد يعتقد بعض المرشحين بأنهم سيكسبون الانتخابات من خلال صياغة برنامج انتخابي "محشي" بشعارات ومزايدات وطنية فقط، دون فهم حقيقي لما يحتويه برنامجه الانتخابي من وعود والتزامات يقطعها على نفسه، ودون وضع الآليات والخطط لتنفيذ هذه الوعود. @drAliAlnaimi