14 سبتمبر 2025
تسجيلانشغل الرأي العام المحلي في قطر، خلال الأسبوع الماضي، بموضوع كتاب "المهارات الحياتية" لطلاب الصفين العاشر والحادي عشر، والذي يهدف إلى تطوير وتعزيز مهارات الطلاب، لإعدادهم للتعليم العالي وسوق العمل، حسب رؤية 2030، كما جاء في توضيح وزارة التعليم والتعليم العالي. وكان من ضمن المعايير التي اعتمدتها الوزارة في اختيار الأشخاص التي وضعت صورهم في الكتاب، الآتي: 1 — أن تكون الشخصية قطرية، لتعزيز قيمة الهوية الوطنية والانتماء لدى الطلاب والطالبات. 2 — أن تكون الشخصية يافعة، لتكون مثلًا للطلبة والطالبات، في تعزيز قيمة الادخار والإدارة الصحيحة للمال، منذ الصغر. 3 — أن تكون الشخصية نجحت في امتلاك مشروع محلي (قطري) خاص به/ بها، وذو هدف سامٍ، لخدمة المجتمع، مما يُعزز المبادرة وريادة الأعمال. 4 — أن تتميز الشخصية بالعطاء وخدمة المجتمع والشباب، مما يُعزز قيم التطوع. ويبدو أن كثيرين لم يلتفتوا إلى هذه المعايير التي وضعتها الوزارة الموقرة، والتي اعتمدت عليها في اختيار الشخصيات، التي اختيرت لتكون مثالًا يُحتذى ضمن صفحات الكتاب، لأن الاختيار لم يكُن للشخصيات المؤثرة في المجتمع في كل المجالات؟! ولا جدال على أن المعيار الأول، وهو "أن تكون الشخصية قطرية، لتعزيز قيمة الهوية الوطنية والانتماء لدى الطلبة والطالبات". ولكن كان بودي لو قام من وضعوا الكتاب بعمل استبيان عملي لاكتشاف مدى حضور تلك الشخصيات في المجتمع، لأن الأحكام التي لا تستند إلى إحصائيات غالبًا لا تكون دقيقة. فعلى سبيل المثال، أنا، وقد تجاوزت الستين، لم أتمكن إلّا من معرفة شخصية واحد، ضمن الشخصيات الأربع التي وضعت في الكتاب!؟ فما بالكم بالطلاب في الصف العاشر والحادي عشر؟. لذلك، وكما طالبَ العديد من المغردين، وهؤلاء الذين استضافتهم جريدة (الشرق) يوم 6/9/2018، كان يجب التريث في اختيار الشخصيات التي نقدّمها كنموذج لطلبتنا وطلابنا، مع كل الاحترام والتقدير للشخصيات التي طُرحت صورها في الكتاب. استوقفني المعيار الثاني الذي يقول: "أن تكون الشخصية يافعة، لتكون مثالًا للطلاب والطلبة"، ولابد لنا من وقفة مع هذا المعيار! الشاب اليافع ما زال قليل الخبرة، حتى لو ساهمت بعضُ وسائل الإعلام في إبراز هذا اليافع. لأن الخبرات التراكمية لا تتأتى في فترة (اليفاعة)، كما أن من شأن الخبرة أن تزيد في إقناع الطلاب بالمضامين والأفكار التي يحتويها عقل أو فكر ذاك المثال. ما نود قوله هنا: قد تكون إحدى الشخصيات المُختارة ماهرة في الترويج والتجارة، ولا بأس في ذلك، ولكن قد ينقصها حُسن التعبير عن ذلك، لأنها تعتمد على آخرين في إدارة الأعمال. كما أن بعض الشخصيات التي وُضعت صورها لا ينطبق عليها معيار (اليفاعة) الذي اشترطته الوزارة، حيث إنها تجاوزت سن (اليفاعة)!؟ الموضوع المهم الذي تطرَّق إليه معظم المغردين والضيوف على صفحات (الشرق) أنه يوجد في قطر شخصيات أثبتت كفاءة — حتى في جانب الادخار وإدارة المشاريع المحلية، ولا نريد الدخول في تفاصيل أسماء تلك الشخصيات، فهي معروفة للجميع، وأخشى أن يكون الحصر هنا مدعاةً لنقاشات لا جدوى لها، مع إيماني بوجود شخصيات قطرية، ومنها يافعة، استطاعت أن تُنشى مشاريع أو تواصل مشاريع آبائها بكل اقتدار. المعيار الرابع يحتاج إلى تحقيق، وهذا لا يتأتى إلّا عبر عمل استقصائي رقمي Numerical، للتأكد من نجاعته في اختيار الشخصيات. أعود مرة أخرى إلى قضية الاستبيان، كان يجب أن توزع الصفحة التي تحمل صور الشخصيات الأربع على شريحة لا تقل عن ألفي طالب وطالبة، قبل البدء بتضمينها الكتاب، وكان يجب أن تكون ضمن تلك الصفحة بعض الشخصيات الأخرى، كما ذكرنا، كي تتحقق قيمة (ثبات المعيار) أو الموثوقية Credibility، وبعد ذلك نختار الشخصيات التي نضمن تأثيرها وقدوتها للطلبة والطالبات. وهذا هو الأسلوب العلمي الأمثل لمثل هذه الحالة. وإننا إذ نشيد بجهود وزارة التعليم والتعليم العالي، في مجال تطوير المناهج، وإعداد الطلبة والطالبات لفكِّ الأسئلة الصعبة التي تواجههم في حياتهم (وهذا هو أهم أهداف التعليم)، نأمل أن تتواصل جهود الوزارة، لاختيار شخصيات مهمة في عدة مجالات، مثل: الثقافة، الإعلام، الرياضة، الفن، الموسيقى، المسرح، الفنون التشكيلية، الهوايات، الإنجازات العلمية.. إلخ. لأن التنوع يُثري المنهج، ويُعزز القيم التي تسعى الوزارة إلى تثبيتها في عقل الطالب. إن حديثنا هذا، لم ولن يقلل من جهود وقيمة الشخصيات التي وُضعت صورها في الكتاب، ونتمنى لها المزيد من النجاحات، لكنَّ الحادثة، كانت مناسبة لأن نُجلي بعض الغموض أو الالتباس الذي ساد أجواء وسائل التواصل الاجتماعي، وفي نفس الوقت، كان مناسبة لأن نقترح على واضعي الكتاب بعض الملاحظات الإيجابية، دون أن نقلل من جهودهم وصدق نواياهم. وبمناسبة بدء الدراسة، نتمنى لطلابنا وطالباتنا النجاح والتوفيق، عبر المثابرة، وحُسن إدارة الوقت، والتمعّن في مخرجات التعليم، ولو عبر (التفكير النقدي)، الذي يُعتمد عليه في تكوين شخصية الطالب في كل بلاد العالم. كما أن إشراك الطالب في العملية التعليمية من الأمور التي يجب الأخذ بها، حتى يشعر بتلك المشاركة وينتمي إليها.