15 سبتمبر 2025
تسجيليبذل المجتمع الدولي جهوداً قصوى لتحقيق نتائج ملموسة للتكيف مع الظروف المناخية المتقلبة، خاصة ً أنها تسببت في موجات جفاف ضربت مزارع المحاصيل في دول أوروبا، وأحدثت أضراراً في نتاج الزراعة على المستوى العالمي، والتي انعكست آثارها على الدول المستوردة للحبوب والمحاصيل الرئيسية. ولا تقتصر الجهود على محاولة التكيف مع هذا التغير فحسب إنما تسعى في محاولات جادة للتصدي للزيادة السكانية وانتشار الفقر والحد من تأثيرات الكوارث الطبيعية التي تسببت بشكل أو بآخر في التأثير على أوجه الأنشطة الإنسانية والصناعية. فقد تابعنا في أغسطس الماضي ما أسفر عنه اجتماع قادة الصندوق الأخضر للمناخ باعتباره أداة للعمل العالمي المشترك، من توجيه مليارات الدولارات لمساعدة الاقتصادات النامية على التكيف مع المتغيرات فقد وافقت الدول المتقدمة على زيادة المساعدات المناخية في 2009 إلى "100"مليار دولار بحلول 2020 وهي تبلغ حالياً "10" مليارات دولار سنوياً ولكنها لم تشهد نمواً منذ ذلك التاريخ، لمساعدتها في الحد من تأثير الانبعاثات الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري والفيضانات والجفاف وموجات الحرارة. الوضع الراهن لهذا التغير يتطلب تحركاً عاجلاً وألا تقتصر الحلول على إيجاد موارد مالية من دول مانحة أو تقديم مساعدات لوجستية لدول متضررة بقدر ما أرى الحاجة إلى تخطيط أوليّ مدروس في كيفية رسم خطوات التنفيذ الأولى. فالخطوة المبدئية هي التي توجد نقطة فاعلة ليبدأ بعدها الحراك الدولي، وأدلل في ذلك بتقرير منظومة عمل الأمم المتحدة في مجال تغير المناخ الذي قدم نتائج أبحاثه حول الظواهر المتقلبة، ونأمل أن تجد طريقها نحو التفعيل في تكوين قاعدة معلوماتية ترصد الظواهر البيئية على المستوى العالمي، وتدرس قيمة المعلومات الواردة، وتشخص الوضع القائم للتوسع الحضري والعولمة الاقتصادية والمخاطر الطبيعية المترتبة على تغير المناخ، وإيلاء البحوث أهمية في تطوير الآليات المعمول بها وإمكانية التنبؤ بالظواهر مستقبلاً. وكان البرنامج الدولي للبحوث المناخية قد حدد في هذا الصدد آليات تنبؤ واقعية عن مدى تأثير الإنسان على المناخ، وقدم خلال العشرين سنة الماضية تقييماً للمعلومات العلمية والفنية والاجتماعية بتغير المناخ ومدى انعكاسه سلبياً على الاقتصاد وخيارات التأقلم معه. ويرى خبراء الأمم المتحدة أنّ الحد من انبعاث الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري في تشجيع الطاقة القابلة للتجديد، والحد من ذوبان الجليد، وتحسين فعالية الطاقة، ووقف استغلال وإزالة الغابات بهدف الحفاظ على الغطاء النباتي، والبحث عن وسائل نوعية لتغيير نمط الاستهلاك. وإذا تتبعنا تأثيرات هذا التغير فإنّ ارتفاع درجات الحرارة، وتفاوت مستويات هطول الأمطار هي المسبب الرئيسي في موجات الجفاف، إلى جانب ظواهر التصحر وجفاف الأراضي الزراعية والمياه المالحة، وزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من ثاني أكسيد الكربون بنسبة "70%" خلال الأعوام "1970ـ2004" مع توقعات بزيادته إلى "90%" خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة. من العوامل المؤثرة أيضاً النفايات التي تشكل "5%" من الانبعاثات الغازية مع توقعات بارتفاعها إلى نسبة "30%" في 2030 وكذلك نفايات الصناعة، وتلوث الهواء، واتساع ثقب الأوزون، والأعاصير. وتعتبر التأثيرات الصحية والبيئية والاجتماعية هي الأخطر على الحياة البشرية لأنها نتاج تباطؤ الجهود الدولية في إيجاد طرق للتكيف مع المناخ، كما أنها عقبة في طريق التنمية التي كلما تقدمت عادت خطوات إلى الوراء، ومن المخاطر انتشار الأمراض ونفوق الحيوانات وتوقف نمو المحاصيل وسوء التغذية واعتلال الصحة العامة وتردي البيئات المجتمعية. إزاء هذه المستجدات يسعى الخبراء إلى تحفيز الحكومات على الاستثمار في توليد الطاقة والبحث عن منافذ للطاقة المتجددة مثل الشمسية والحرارية ورفع قدراتها في الدول النامية خلال السنوات العشر القادمة والاستعاضة عن الأنشطة الصناعية التقليدية بالمدن التقنية صديقة البيئة وابتكار آليات جديدة للاستفادة من النفايات ومخلفات الصناعة وتفعيل أبحاث وتجارب خزن الكربون. وتتوقع الأمم المتحدة في تقرير المناخ 2011 استثمار "20"تريليون دولار في تحسين البنية التحتية للطاقة وإذا حققت هذا النمو فإنها ستكون قادرة على بلوغ "60%" من خفض الهدر، أما في المباني والإسكان والتجارة فيمكن للاستثمار خفض الانبعاثات "30%". وإذا كانت الدول النامية تحصل على تدفقات استثمارية بنسبة "46%" من إجمالي الاستثمارات اللازمة حتى 2030 فإنها ستكون قادرة على الاستجابة لمحاولات التكيف المناخي في إذا وضعت إستراتيجية فعلية تقوم على التنفيذ الآني.