19 سبتمبر 2025

تسجيل

المشروع الوطني الفلسطيني...تراجُع أم إخفاق؟

12 سبتمبر 2012

الخمس دقائق الأخيرة قبل الإخفاق.هذا هو عنوان المرحلة الفلسطينية الراهنة،وقد باتت القضية الفلسطينية كأولوية. عاشرة فلسطينياً وعربياً ودولياً.اكتفينا بتشكيل السلطة الفلسطينية. أصبحنا نناشد إسرائيل(للتكرم) علينا بإعطائنا دولة فلسطينية مستقلة،نريدها بمواصفاتنا نحن.منظمة التحرير الفلسطينية تصدر بيانا منذ أسبوع تتهم فيه الاستيطان الإسرائيلي بأنه يشكل عقبة أمام حل الدولتين!وكأن هناك فرصة بعد هذا الحل!إسرائيل تشدد من اشتراطاتها للقبول بالتفاوض مع الفلسطينيين والعرب(أين تلك الأيام التي كانت تستجدي فيها إسرائيل اللقاء حتى مع عاهرة عربية!).الجبهة هادئة مع إسرائيل،والتنسيق الأمني معها يجري على قدمٍ وساق،وما من عمليات عسكرية من الضفة الغربية تحت طائلة العقوبات الفلسطينية والإسرائيلية.  في غزة نمر بمرحلة تهدئة غير معلنة مع إسرائيل ويتم سجن كل من يطلق قذيفة على العدو.الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني أصبح حقيقةً واقعة.حتى أن هناك حكومة فلسطينية في غزة جرى تعديل سبع حقائب وزارية فيها،وحازت على الثقة من مجلسها التشريعي.القضية الفلسطينية غابت عن الشعارات العربية بعد أن كانت القضية المقدسة الأولى.الأمة العربية تقف محتارة أمام الواقع الفلسطيني المنقسم.النظام الرسمي العربي وجد ما يريحه في شعار"نقبل بما يقبل به الفلسطينيون" وكفى الله المؤمنين شرَ القتال،وفلسطين على القضايا الدولية للعالم،أصبحت مركونة.هذا الوضع إذا ما استمر فستتآكل القضية الفلسطينية وتنتهي الحقوق الوطنية الفلسطينية إلى ما آلت عليه حالياً من: حكم ذاتي منزوع السيادة في ظل وجود سلطتينْ محتلتينْ فعلياً. وأصوات تنادي بإعلان قطاع غزة كدولة مستقلة.هذه بعض تفاصيل الحالة الفلسطينية الراهنة للأسف.وإذا ما سألنا عن الأسباب التي أدّت إلى ذلك فقد تختلف الأجوبة،إلا أن قاسماً مشتركاً أعظم يظل بينها ويتمثل فيما سنقول:  إن المسؤول عن وصول المشروع الوطني الفلسطيني إلى درجة كبيرة من التراجع هم الفلسطينيون أولاً وأخيراً،والقيادات الفلسطينية بشكل رئيسي ومحدد. فهي التي أوصلت الحالة إلى أقصى درجات الرداءة.توهم المتنفذون في منظمة التحرير أنهم من خلال اتفاقيات أوسلو(التي نعيش ذكراها 19 المشؤومة حاليا). سيحققون الدولة المستقلة وسيعيدون الحقوق إلى شعبنا. في قراءة قسرية لحقائق لا تحتمل الجدل ولواقع ينبئ كل ما فيه بعكس تصوراتهم.إن تصريحاً لرابين قاله في الكنيست عندما نوقشت اتفاقيات أوسلو ذكر فيه:"نحن أتينا بالقيادات والمقاتلين الفلسطينيين إلى هنا لنحكم القبضة عليهم،ولن ننفذ من الاتفاقيات سوى ما هو في مصلحة إسرائيل،ولدينا القدرة على ذلك لأننا الأقوى". وبناءً على هذا التصريح أقّر الكنيست الاتفاقيات بالأغلبية النسبية.  جاء شارون ليقبر هذه الاتفاقيات حين أعاد اجتياح الضفة الغربية في عام 2003،ورغم ذلك يتمسك الجانب الفلسطيني بها.  فصائل فلسطينية كثيرة رفضت هذه الاتفاقيات جملةً وتفصيلاً من بينها:الفصائل إسلامية التوجه والأخرى اليسارية.لم نشهد برنامجاً مشتركاً بديلا ً يوجد فيما بينها ضد أوسلو،حتى اليسار لم يتوحد في جبهة عريضة تشكل برنامجاً بديلاً لبرنامج الاتفاقية المشؤومة. كذلك هي الفصائل الإسلامية،الأمر الذي جعل من برنامج أوسلو حقيقة واقعة يجري تنفيذها،والذي جعل من البرامج المتعددة للفصائل الرافضة مسألةً نظرية فقط.عدا ذلك فإن بعض الفصائل الفلسطينية اليسارية والأخرى الإسلامية التحقت بإفرازات أوسلو،وشاركت في الحكومات التي انبثقت عنها،وبذلك شهدنا تغييباً لشعار:مرحلة التحرر الوطني الفلسطيني بكل ما تقتضيه هذه المرحلة من مقاومة بكافة أشكالها ووسائلها وعلى رأسها المقاومة المسلحة.بالتالي فإن الساحة الفلسطينية أخذت في افتقاد"القيادة الثورية" بكل ما يقتضيه وجود هذه القيادة من معنى.بالضرورة افتقاد هذه القيادة بالمعنى النسبي أدى إلى تغييرات بنيوية في جسم الثورة الفلسطينية. الأمر الذي أدّى بدوره إلى أزمة برنامجية،فالبرامج القائمة يعاكسها الواقع،ومن ينادي بالتغيير ورسم برنامجه على هذا الأساس يفتقد القدرة الذاتية والجماهيرية ليجعل مما ينادي به برنامجاً شعبياً عاماً. يستقطب جماهير الشعب الفلسطيني لتلحق به،خاصة في ظل امتيازات قدمها فريق أوسلو لفئة عريضة من جماهير الداخل. تمثلت في عشرات الآلاف الوظائف بما تشكله من استفادة مادية لفئة عريضة من الشعب الفلسطيني. ليس ذلك فحسب،وإنما وسط مظاهر عريضة من الفساد والإفساد والثراء غير المشروع واستغلال الوظائف للمنفعة الخاصة والمحسوبية والاستهتار،الأمر الذي أسهم في تمييع كل المفاهيم والمواقف الثورية.ما سبق أدى إلى استفحال ثالوثي من الأزمات:القيادية،البرنامجية،التراجعية في المنسوب الثوري.  من ناحية ثانية فإن قوى التغيير لن تغادر أساليبها وآليات عملها السابقة رغم المستجدات اليومية القاضية والموجبة لآليات عمل جديدة تحاكم الجديد من خلالها. وهو ما صنع عقبات حقيقية أمامها،حيث بتنا نتدفأ على أحداث التاريخ ومواقفه الثورية السابقة.نعم تفتقد الساحة الفلسطينية إلى استشفاف المستقبل والتخطيط على أساسه.السياسات المتبعة تفتقر إلى تلك الرؤى في محيط من ممارسة السياسات الانتظارية.عندما يأتي الحدث تتم محاكمته دون توقع حدوثه من الأساس.  لطالما طالب البعض من الفلسطينيين بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل،انطلاقاً من محاولة التفرد بالقرار الفلسطيني وإذا ما تحققت هذه المسألة يرتفع شعار"يا وحدنا".بالتالي فإن هذه المطالبة هي كلمات حق يراد بها باطل.الخطر الإسرائيلي لا يقتصر مداه على الفلسطينيين وحدهم،إنه يتجاوز ذلك إلى الأمة العربية بأسرها وإلى الوطن العربي بأكمله.النظام الرسمي العربي يعمل وفق استراتيجية"بناء سلام مع إسرائيل".تبلور ذلك فيما يسمى بــ"المبادرة العربية"،ورغم ذلك رفضتها إسرائيل جملة وتفصيلاً.إسرائيل تريد استسلاماً عربياً وفلسطينياً.  النضال ضد إسرائيل وفي سبيل إحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية بحاجة إلى جهد الأمة العربية بكاملها.صحيح أن رأس الحربة هم الفلسطينيون لكن من الصحيح أيضاً أن تشكل الأمة العربية جسد هذه الحربة. جرى بناء بعض الجبهات العربية المساندة للثورة الفلسطينية لكن هذه التجارب فشلت بعد اتفاقيات أوسلو.إن صيغة التزاوج ما بين الخاص الوطني الفلسطيني والعام القومي العربي: هي إحدى الدعائم المهمة للنضال الفلسطيني.بدت الساحة الفلسطينية وكأنها تستخدم العامل الكفاحي العربي للذهاب إلى أوسلو وليس للمزيد من تثوير الساحتين الفلسطينية والعربية. من أجل تجذير النضال ضد إسرائيل. لنيل الحقوق الوطنية فلسطينياً وعربياً.  إن الساحة الفلسطينية أمام منعطف طرق خطير،فإذا ما استمر النهج الحالي بخيار المفاوضات وبقاء الانقسام والابتعاد عن المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها. سنكون أمام المزيد من التراجع وصولاً إلى الإخفاق للبرنامج الوطني بانتظار ظروف أخرى وواقع جيد ومعطيات جديدة لبدء مرحلة تحرر وطني جديدة بكل مواصفاتها،وإما التنبه للمرحلة الحرجة والدقيقة هذه بالعودة إلى الاستراتيجية النضالية. ومحاسبة المرحلة السابقة بكل أخطائها والاستفادة منها،والبحث عن آليات فعل جديدة وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتجاوز الانقسام. وبناء البرنامج السياسي ذي القواسم المشتركة،والاعتراف بإحدى حقائق الواقع وهو أن لا وصول للحقوق الوطنية دون النضال الفعلي،وأن هذه الحقوق لن تتأتى لا بمناشدة إسرائيل ولا الولايات المتحدة.الحقوق تأتي بفرضها فرضاً على إسرائيل.وأهمية الانطلاق من المطلق في الاستفادة من طاقات الأمة العربية في معركة التحرير.القضايا العادلة لا تنتصر بعدالتها فقط،وإنما بالجهد الثوري المبذول في سبيل انتصارها.