16 سبتمبر 2025
تسجيل* يميل الطالب للتخصص العلمي أو الأدبي وفق ميوله وقدراته، فإن كانت نتائجه وتفوقه وميوله علميا؛ كان التوجه للمجال العلمي بثقله العلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء.. والأخيرة من أفضل المقررات التي كنت أميل إليها؛ ربما لأنها تخوض في جينات الإنسان وتكوينه والكروموزمات وأصله وفصله… * ورغم كل مواد العلمي وأهمية تخصصاته؛ توجهت للمجال الأدبي.. وكان مقرر التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع من أقرب المقررات لقلبي إلى جانب اللغة العربية. * درسنا علم الاجتماع بالجامعة ومن المؤلفات والمقررات التي ارتبطت بعلم الاجتماع مقدمة ابن خلدون.. وكان لدراسة مقرر الاقتصاد كذلك نصيب مما ورد في كتاب "مقدمة ابن خلدون". * كتاب ابن خلدون سبق عصره لسنوات وسنوات وأجيال.. ومن اسم الكتاب "مقدمة"، فهو كان مقدمة لمؤلفه الضخم الموسوم كتاب العبر: (الاسم الكامل للكتاب هو كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر). * وقد اعتبرت المقدمة لاحقًا مؤلفًا منفصلًا ذا طابع موسوعي، إذ يتناول فيه جميع ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعمران والاجتماع والسياسة والطب. وقد تناول فيه أحوال البشر واختلافات طبائعهم والبيئة وأثرها على الإنسان، وتناول تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها، وركز على مفهوم العصبية. * نظرية العصبية أو العصبة هي الوعي الجماعي والتضامن والولاء القبلي أو الوطني أو الحس المجتمعي. هي التي تجعل من جماعة (معينة) جماعة قوية. إنها لا تعني مطلق الجماعة بحد ذاتها وإنما الأفراد الذين تجمع بينهم رابطة الدم أو رابطة الحلف أو الولاء، بالإضافة إلى شرط الملازمة بينهم من أجل أن يتم التفاعل الاجتماعي، وتبقى مستمرة ومتفرعة بوجود هؤلاء الأفراد واستمرار تناسلهم، فينشأ بين أفرادها شعور يؤدي إلى المحاماة والمدافعة وهم يتعصبون لبعضهم حينما يكون هناك داع للتعصب، ويشعر الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من أهل عصبته، وفي هذه الحالة يفقد شخصيته الفردية، بحيث تذوب في شخصية الجماعة، وهو شعور جماعي مشترك لدى أفراد العصبة فهو ذو صبغة جمعية أساسية بين الفرد والمجموعة، وليس بين فرد وآخر فقط، وفي حال تعرض العصبة إلى عدوان فيظهر في هذه الحالة "الوعي" بالعصبية، وهذا "الوعي العصبي" هو الذي يشد أفراد العصبة إلى بعضهم وهو ما يسميه ابن خلدون بالعصبية التي بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع عليه. * وبهذا تكون العصبية أساس نهوض أو أفول الحضارة، حيث تكون العصبية أقوى مع بداية الحضارة وتضعف مع تقدمها إلى أن تزيحها عصبية أقوى وتأسس حضارة جديدة. * آخر جرة قلم: من خلال من ما تم تقديمه من نقطة من بحر "مقدمة ابن خلدون" ومفهوم العصبية، نحن في وقت نحتاج إلى بناء الدولة من خلال تأسيس مفهوم التلاحم الحقيقي الذي يتجه لهدف وعمل واحد وأساسي يشترك فيه كل أفراد المجتمع وطوائفه، فلا يكفي "العصبة" والعصبية تكون في وقت الأزمات والأخطار والحروب والتهديد الذي يمس الوطن وأرضه، ويمس مواطنيه وشعبه، وإنما العصبية في الدفاع عن الحق وفي الرخاء والتفات القلوب والأرواح لبعضها البعض لأجل هدف أسمى وأقوى وأرقى؛ في الحفاظ على تلاحم وتواصل وتماسك المجتمع وأفراده وعناصره من أن يتفكك تماسكه وقوته في ظهور أشكال من الفتن التي إن لم تخمد في بدايتها.. ! فإن نارها وشرارها ولهيبها سيصل لكل الأطراف ويضعف أركان الوطن.. ومكوناته وتقدمه. حافظوا على الوطن.. وتمسكوا بتلاحمه بعصبة وعصبية حقيقية تبني الوطن والمواطن، دون عصبية تفقد الصواب وتذهب العقل من أن يقول كلمته بحكمة العقول وموقف الرجال الذين يعنيهم الوطن أولا وأخيرا.. [email protected] @salwaalmulla