07 أكتوبر 2025

تسجيل

الارتساء

12 أغسطس 2020

يحكى أنه في أحد العصور أراد والي المدينة الحصول على المزيد من المال عن طريق رفع سعر الخبز من درهم واحد إلى ٥ دراهم، فأخبره مساعده أن هذا سيؤدي لردة فعل سيئة عند الناس. فأشار عليه المساعد -المعروف بالخبث والدهاء- أن يشيعوا خبراً بأن الخبز سيرتفع ليصبح بعشرة دراهم، مع التشكيك في أن سعره الحالي لا يكفي لتغطية تكلفته. وفعلاً قام المساعد بإشاعة الخبر بين من حوله، فانتشر سريعاً بين سكان المدينة، فضج الناس بالشكوى، ولم يعد هناك حديث بين الناس سوى السعر الجديد للخبز. بعد أيام جاء الوالي وسمع شكواهم، فقام بتوبيخ المساعد على رفع السعر إلى عشرة دراهم، وأصدر أمره السامي بتسعير الخبز بخمسة دراهم فقط رأفة بالناس، فشكره الناس ودعوا له بطول العمر. علمياً، فإن ما فعله المساعد يسمى ارتساء Anchoring. فعندما ترمى مرساة القارب في البحر، فإن القارب قد يتحرك قليلاً في أي اتجاه، ولكنه سيبقى ضمن الحدود المعقولة لمكان المرساة. وهذه الحيلة هي إحدى طرق التحيزات المعرفية للتحايل على العقل وجعله يفكر في نطاق معين قد يكون بعيداً عن المنطق والواقعية. فقد قام الوالي بفك الارتباط بالارتساء السابق (درهم واحد)، ثم ربطه بارتساء جديد (١٠ دراهم)، مما جعل الناس يشعرون بالرضا والامتنان الشديد للسعر الجديد وهو نصف قيمة الارتساء الموجود في أذهانهم. تستخدم هذه الطريقة كثيراً خلال المفاوضات التجارية، فأول من يطرح السعر الأولي يتحكم ويحدد النطاق المطلوب لتفكير الآخرين. فهو يرسي تفكيرك ويحصره في أول معلومة تستقبلها لأن الطبيعة البشرية تعتمد كثيرًا على أول معلومة تتلقاها. وحتى لا تقع ضحية لهذه الحيلة، فعليك أن تحرر ذهنك من أي ارتساء مسبق، وعليك تقييم الأمور كما هي. Twitter: @khalid606 [email protected]