16 سبتمبر 2025
تسجيلمواصلة ترشيد عمليات المؤسسات المالية عاد تداول استخدام مصطلح حماية الاقتصاد الحقيقي بكثرة هذه الأيام بعد أن طغى استعماله بعد نشوب الأزمة العالمية عام 2008 حينما تمكنت أزمة ديون سندات الرهن العقاري أن تتمدد بتأثيراتها لتضرب عصب الاقتصاد العالمي. بينما مؤخرا وفي أعقاب تصاعد نذر الحروب التجارية والعملات وتقلبات الأسواق وتباطؤ التعافي الاقتصادي برزت المخاوف مجددا بشأن هذا الموضوع، وصرحت الصين صاحبة أحد أكبر الاقتصادات العالمية بأنها سوف تستخدم سياساتها الضريبية والمالية بشكل أفضل لدعم توسع الطلب المحلي والتعديل الهيكلي وتعزيز تنمية الاقتصاد الحقيقي. كما سوف تتخذ تدابير لتعزيز الاستثمار الفعال الذي يركز على مواجهة أوجه القصور وتجميع المزيد من القوة الدافعة وتحسين الحياة المعيشية للأفراد. وبالفعل، فإن الاقتصاد الحقيقي هو الذي يعنى بمعيشة الناس، العمل والبطالة، الإنتاج (الزراعة والصناعة والخدمات) والتوزيع والاستهلاك، والتضخم، والسكن ومستوى المعيشة للأفراد. وفي خضم الأزمة العالمية قدرت منظمة العمل الدولية الكيفية التي ستؤثر فيها هذه الأزمة على الحياة اليومية للشعوب وعلى مختلف مستويات المجتمع، وتوقعت آنذاك أن يزداد حجم البطالة العالمية بحوالي 20 مليوناً متخطياً للمرة الأولى حدود 200 مليون عاطل عن العمل عالمياً. والأكثر أن أعداد الفقراء من العاملين الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم قد يرتفع إلى حوالي 40 مليوناً، كما سيرتفع عدد هؤلاء الذين يعيشون بدولارين في اليوم إلى أكثر من 100 مليون. والاقتصادات الخليجية مثلما لم تكن بمنأى عن امتدادات الأزمة العالمية، فهي كذلك اليوم. ونحن نتفق أن هذه الاقتصادات تتمتع بالعديد من عناصر القوة، لكن هذا لا ينفي الحاجة للمطالبة بوضع إجراءات وقرارات فاعلة للحد من انتقال تداعيات الحروب والمواجهات العالمية الجديدة إلى الاقتصاد الحقيقي في دولها. إن هذه الدول خاصة بعد تحسن أسعار النفط بحاجة إلى العودة تدريجيا للإنفاق ودعم القطاع الخاص الذي يمر بأوضاع صعبة وكذلك لدعم أسواق المال خشية تأثرها بتلك التطورات ومن ثم انتقال ذلك إلى الاقتصاد الحقيقي، أي إلى أرباح هذه الشركات أيضا وليس أسهمها. وبالإمكان تحقيق ذلك من خلال قواعد وسياسات تقود إلى العمل اللائق والمؤسسات المنتجة، وفي مقدمتها رفع إنتاجية الاقتصادات، وترشيد أنشطتها بصورة أكبر لتبتعد عن أنشطة المضاربات وتركز على العمران والإنتاج. كذلك المطلوب مواصلة ترشيد عمليات المؤسسات المالية مع الحرص على استمرار أدائها لدورها الائتماني والاستثماري والمعاملات المالية فيما بينها نظرا لحساسية موقعها الاقتصادي، حيث دشنت العديد من الدول الخليجية هذه الخطوات بحماية الودائع وضخ السيولة والمساهمة في علاج الموجودات المتعثرة. والمطلوب تعزيز القواعد الرأسمالية للمؤسسات المالية ومعايير الشفافية والحوكمة وسياسات الاستثمار وتحسين جودة الموجودات خاصة مع تصاعد ضغوط التشريعات المصرفية الدولية. ولا بد من الالتفات إلى الفئات الأكثر تضررا من الأزمة، مما يعني اتخاذ إجراءات متنوعة، بما في ذلك مواصلة دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتحسين المعاشات التقاعدية، والتأمين ضد البطالة، وتوفير الاعتمادات إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل المصدر الرئيس لفرص العمل اليوم. وفي ظل تصاعد حدة المنافسة الدولية يصبح من المهم اتخاذ سياسات واعتماد أدوات ناظمة فاعلة من شأنها مكافأة العمل الجاد والمؤسسات المنتجة والرشيدة سواء المالية أو الإنتاجية. فنحن – كما يقول المدير العام لمنظمة العمل الدولية - نعيش في قلب زوبعة تضرب النظام المالي الذي خسر بوصلته الأخلاقية. علينا أن نعود إلى الدور الشرعي الأساسي للمال لكي يتمكن أصحاب المؤسسات من الاستثمار والابتكار وتوليد الوظائف والإنتاج، أي تمويل الاقتصاد الحقيقي.