12 سبتمبر 2025

تسجيل

الديار المقدسة بين التسييس والتدويل

12 أغسطس 2018

طالعتنا إحدى الصحف السعودية، التي تدار من داخل الديوان الملكي السعودي، بعنوان عجيب وضع على صفحتها الأولى وتقول فيه "إلى القطريين: بيت الله أو "الحمدين""، ونشرت تحت هذا العنوان "الوقح" اتهاما واضحا وصريحا بأن القيادة القطرية قامت بتعطيل الركن الخامس للإسلام، وأنه لم يبق أمام القطريين غير أن يختاروا بين تلبية اشتياقهم الروحي إلى بيت الله الحرام، أو القبول بقرار نظام "الحمدين" الذي، على حد زعمهم، يعطل أداء فريضة الحج. وهذا الخبر يحمل بين طياته العديد من الرسائل الموجهة للشعب القطري، وهي رسائل شر، وليست رسائل خير. إن السعودية أقامت الدنيا على تغريدة واحدة كتبتها السيدة كريستيا فريلاند، وزيرة الخارجية الكندية، ذكرت فيها "إننا نحث السعودية على إطلاق سراح نشطاء المجتمع المدني المحتجزين في السجون السعودية"، ولكنها السعودية سمحت لنفسها بالتطاول على أسيادها، الذين قاموا بحماية مؤسس دولتهم عندما خلع حكام نجد الأصليين آل الرشيد أباه عبدالرحمن آل سعود وتركوه مشرداً في صحاري شبه الجزيرة العربية ولم يجد ملاذاً سوى قطر ليلجأ إليها. إنه من العجيب قيام السعودية بمساومة القطريين على التخلص من نظام الحكم القائم الذي ارتضوه لأنفسهم للذهاب إلى بيت الله، وهذا يعد تدخلاً علنياً وسافراً في الشأن الداخلي القطري، وانتهاكاً صريحاً للحريات الدينية والإنسانية، ويدخل في عملية تسييس الشعائر الدينية لوجود مقدسات المسلمين تحت الحكم الخبيث لآل سعود. إننا في قطر نحب حكامنا وهم يحبوننا ولا نرضى عنهم أي بديل، وظهر هذا الأمر، الذي أغضب آل سعود واضحاً بالتفاف الشعب القطري من مواطنين ومقيمين حول قيادتهم منذ أزمة سحب السفراء في 2014، وبشكل أكبر وأقوى عندما أعلنت الدول التي تسمى "شقيقة"، في 2017، الحصار على قطر. ولقد صدقت الأخت ابتسام آل سعد عندما قالت في إحدى التغريدات على تويتر "تساومون بما "لا تملكونه" وهو بيت الله في حق "يملكه" القطريون وهو حكمهم". وأضافت في تغريدتها "حتى كفار قريش لم يفعلوها مع أتباع محمد صلى الله عليه وسلم". إننا في قطر نعلم علم اليقين أن دولة قطر، ممثلة بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، حاولت الاتصال مع وزارة الحج والعمرة السعودية، عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية، لتمكين حجاج قطر للذهاب إلى الديار المقدسة، ولكنها وجدت جميع خطوط الاتصال مقفلة أمامها. وزعمت وزارة الحج والعمرة السعودية أنها خصصت روابط إلكترونية لتسجيل بيانات القطريين الراغبين في الحج، وحاول العديد من المواطنين والمقيمين الدخول إلى تلك الروابط، وأنا منهم فقط حباً في معرفة الأمر، ولكن وجدنا تلك الروابط وهمية، وكان القصد منها هو خداع العالم بأن السعودية لم تسييس الحج والعمرة أمام القطريين. وعندما عرفت الوزارة السعودية أن أهل قطر قد اكتشفوا العبث الذي تقوم به السلطات السعودية، قاموا برمي تهمة حجب الروابط الإلكترونية على الحكومة القطرية. وإمعاناً في الكذب والتضليل قامت تلك الصحيفة المأجورة، يوم السبت 11/8/2018، بالادعاء بأن وزارة الحج والعمرة السعودية مع علمها بأن نظام "الحمدين" يمنع القطريين من الحج، إلا أنها قد قامت بتجهيز المخيم الخاص بالحجاج القطريين في مشعر "منى". لكن الحقيقة التي يعلمها الجميع، ما عدا المغيبون من الشعب السعودي، أن الحكومة القطرية لم تمنع يوماً ما أي مواطن قطري من الذهاب إلى أي مكان حول العالم، فهل من المعقول أن تمنعهم من الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج. ومن كثرة الدجل المتبع لدى السلطة السعودية فقد اضطرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية بإصدار بيان رسمي أوائل أغسطس 2018 تقول فيه أنه "في ظل تزايد الحملات الإعلامية المؤسفة والتي تدّعي بأن دولة قطر حظرت على مواطنيها أداء فريضة الحج، فإن الوزارة تؤكد بأن هذه ادعاءات تجافي الواقع ويبدو أنها استمرار لحملة استغلال فريضة الحج لأغراض سياسية" ودعت الوزارة السلطات السعودية إلى أن "ينأووا بالفرائض الدينية عن القرارات السياسية تعظيماً منهم لشعائر الله".. إن أرض الحجاز، وكما كانت عليه تاريخياً، هي أرض يقوم بحكمها ويدير شؤونها الأشراف من الهاشميين، وعندما وضع الإنجليز خطتهم للهيمنة على مقدرات الوطن العربي تم دعم آل سعود، الغرباء عن أرض الجزيرة، ليصبحوا حكام نجد، ومع رفض ملك الحجاز لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وجهوا آل سعود باحتلال الحجاز، مع الدعم الكامل من سلاح وأفراد لتحقيق مطالبهم. وتم احتلال الحجاز فعلياً في 1925، ومنذ ذلك التاريخ تم الاعتراف بفلسطين كوطن قومي لليهود، وبدأ آل سعود يتصرفون وكأن الحجاز وبالذات الحرمين الشريفين ملكاً خالصاً لهم، وبدأوا يسمحون لرعايا تلك الدولة بالدخول للأراضي المقدسة، ويمنعون رعايا تلك الدولة الأخرى من القيام بالحج والعمرة. ولعدم وجود وسائل الاتصال الحديثة فإننا لم نكن نعي هذا التصرف على حقيقته. وفي الأخير عرفنا أن آل سعود قاموا بتغيير "بيت الله" إلى "بيت آل سعود"، مع أن آل سعود، وكما يدعون بأنهم مسلمين، يعلمون علم اليقين "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ" آل عمران: 96، وهذا دليل على أن هذا البيت للناس أجمعين، وليس لآل سعود فقط. أما ملكية هذا البيت، الذي وضع للناس، فإنها تعود إلى رب العالمين لقول إبراهيم عليه السلام "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ "إبراهيم: 37، وعليه، إن كان آل سعود فعلاً مسلمين، القيام بعدم منع أي مسلم من الوصول إلى بيت الله المحرم. لقد طالبت، كما طالب غيري من المسلمين في مختلف بقاع العالم، بانتزاع أرض الحجاز من آل سعود وإرجاعها للأشراف، أو على الأقل القيام بتدويل الحرمين الشريفين بجعلهما تحت الحكم والتحكم الإسلامي ولا يكون لدولة واحدة السيادة عليهما. وبه يصبح الحرمان الشريفان دوليين وتكون إدارة الحرمين الشريفين وتنظيمهما أمر مشترك بين عدة دول إسلامية. وخيراً فعلت بعض الدول الإسلامية عندما أنشأت، في يناير 2018، الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين لضمان عدم تسيس مشاعر الحج والعمرة، ومنع استفراد آل سعود بالمشاعر المقدسة بما قد يؤثر على سلامة الحجاج والمعتمرين. وأعتقد أنها خطوة جيدة تستدعي خطوات أخرى لتحقيق تدويل سلس للحرمين الشريفين. وفي الختام نقول إن دولة قطر، مع تضرر مواطنيها من القرارات السعودية، لم تطالب بتدويل الحرمين الشريفين، بل طالبت بعدم تسييس الحرمين. ولكن السعودية، وللأسف، تلاعبت بحرية ممارسة الشعائر الدينية وهذا يعد دليلاً على أن آل سعود لا يعظمون مثل هذه الشعائر، ولا يحترمون حقوق الحجاج والمعتمرين المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية، والقانون الدولي. إننا في أمس الحاجة إلى فصل الحرمين الشريفين جغرافياً وسياسياً عن السعودية لضمان أن يقوم الحاج والمعتمر بممارسة الشعائر الدينية بأمن وسلام. أما دعوة آل سعود لتخيير القطريين بين زيارة بيت الله الحرام أو "الحمدين" فهي دعوة خبيثة من نظام خبيث يسعى لزعزعة الحكم، ليس في قطر فقط، بل نجد هذا الأمر يتكرر في جميع الدول الإسلامية السنية. إننا في قطر مع دولتنا ومع حكامنا في الحلو والمر، وإن شاء الله أيامنا دائماً حلوة. ونسأل الله العلي القدير أن يحفظ لنا بلادنا الحبيبة قطر، وأن يحفظ لنا حكامنا الذين يخافون الله فينا، وندعو الله العزيز الجبار أن يرينا العجب العجاب في من يمنع المسلمين من زيارة بيته المكرم. والله من وراء القصد،،