12 سبتمبر 2025
تسجيلعادت الحالة اليمنية إلى التصعيد الحربي الواسع من جديد، أو أن اليمن بات أمام قرار بحسم الصراع بالقوة المسلحة. وهي حالة يختلف هدف العمل العسكري فيها عما جرى خلال فترة مفاوضات الكويت، إذ انحصرت أهداف الطرفين في ممارسة الضغط لتعزيز الوضع التفاوضي وإظهار مدى الجاهزية وتأكيد جدية التهديد بالحرب الشاملة. الآن ستكون الحرب أعنف مما كان عليه الحال في المعارك التي جرت خلال المفاوضات، بل ستكون الأشد عنفا وضراوة من الحالة الحربية التي جرت حين بدأت قوات الشرعية مسنودة بالتحالف العربي معركة تحرير اليمن انطلاقا من العاصمة المؤقتة عدن. المعارك الجارية الآن، ستترجم فيها نتائج عامل الوقت، الذي أتاحته مفاوضات الكويت، إذ استثمرته الأطراف المتحاربة في الإعداد والاستعداد لمعركة ما بعد فشل المفاوضات. الحوثيون وصالح استفادوا من الوقت لترميم قدراتهم التي تضررت تحت القصف الجوى لطيران التحالف، لكن الوقت لم يكن فعالا في تطوير قدراتهم، إذ وصلوا من قبل إلى أعلى سقفهم الاستراتيجي وباتت أوضاعهم تتحرك هبوطا بسبب الحصار العسكري والانفضاض المجتمعي والنخبوي من حولهم..إلخ. الأكثر استفادة من عامل الوقت خلال المفاوضات هي السلطة الشرعية والجيش الوطني والمقاومة. هؤلاء كانوا بحاجة لعامل الوقت أكثر من الحوثيين وصالح، لتطوير القدرات وتوسعتها –لا لترميمها- بحكم جدة تشكيل السلطة الشرعية والجيش الوطني والمقاومة مقارنة بقوات ميلشيا الحوثي التي تشكلت منذ سنين وخاضت ستة حروب وبميليشيات صالح بطبيعة الحال، وبحكم تشكل السلطة والجيش والمقاومة تحت الضغط العسكري للحرب التي شنها الانقلابيين، وفى ذلك يمكن القول بأن الجيش والمقاومة سيكون أداؤهم أقوى وأشد فعالية مما سبق. ويتوقع أن تكون المعارك أشد عنفا وضراوة بفعل طبيعة الأوضاع العسكرية لكلا الطرفين في هذه المرحلة، إذ ستخوض قوات الشرعية معاركها في مناطق ذات دفاعات أقوى، كما أنها مختلفة على نحو آخر في طبيعة مكونها السكاني، وبالأحرى فهي حرب كسر عظم للانقلابيين، إذ تجرى للسيطرة على مراكز وجودهم العسكري والسياسي، وهم سيستميتون في الاحتفاظ بها بعد أن تقهقرت قواتهم خلال مرحلة عاصفة الحزم من مناطق الجنوب ومناطق في تعز ومأرب وغيرها. والأهم في فهم المعارك الجارية في اليمن هو إدراك الطبيعة السياسية لأهداف الطرفين، إذ لا حرب دون أهداف سياسية محددة، وهنا يبدو واضحا أن طرف الشرعية قد خرج بمكاسب كبيرة على الصعيدين الإعلامي والسياسي، وبات بإمكانه أن يطرح مروحة واسعة وأشد جذرية من الأهداف السياسية، فيما الحوثيين وصالح لا تخرج أهدافهم عن فكرة الحفاظ على ما حققوه من قبل. نحن إذن أمام معركة هجومية من قبل قوات الشرعية، ودفاعية من قبل الانقلابيين، على المستويين العسكري والسياسي. ونحن أمام معركة تميل فيها التوازنات السياسية والإعلامية والعسكرية لمصلحة الشرعية على حساب الانقلابيين. فالشرعية -والجيش والمقاومة- تذهب للهجوم الآن، بعد أن أظهرت للمجتمع اليمنى –جماهير ونخبا وقوى سياسية- وللعالم مدى حرصها على التسوية السياسية وكيف أنها قدمت كل التنازلات التي طلبت منها دوليا وذهبت إلى حد التوقيع من طرف واحد على الاتفاق الذي قدمه المبعوث الأممي. لقد أصبح ممكنا القول -رغم كل التلاعبات والمناورات الروسية والغربية- إن المجتمع الدولي صار وجها لوجه مع الحوثيين، إذ قوات الشرعية تخوض حربها الآن لتحقيق القرارات الدولية وخطة المندوب الأممي. لكن السؤال الأهم يظل مشرعا ويطلب الإجابة: هل وضعت الشرعية خطتها على أساس حسم المعركة في صنعاء وصعدة في هذه الجولة؟ أم أن هناك من لا يزال يتصور أن الهدف هو تحقيق مكاسب على الأرض لإجبار الانقلابيين على تقديم تنازلات في جولة تفاوضية قادمة؟