18 سبتمبر 2025
تسجيلتتأرجح مؤشرات ثقة المستثمرين في الأسواق بين الركود والتراجع تارة، وبين صعود الأسعار تارة أخرى، حيث تلعب أسعار النفط دوراً مؤثراً في هبوط مستويات الثقة أو ارتفاعها في أسواق المال. وترتبط أسواق المال ارتباطاً وثيقاً بمستويات أسعار النفط والعملات والذهب، وهذا ما نعايشه اليوم عندما ينخفض سعر برميل النفط إلى ما دون الـ 50 دولاراً، وقد يكون أدنى من ذلك، ليصاحبها هبوط سريع لأسواق المال، وتذبذب في أداء المؤسسات والبنوك التي تتأثر سلباً بذلك. ويعتبر الثقة عاملاً مهماً في الفكر الاقتصادي، لكونها سبباً رئيسياً ومحركاً فاعلاً في استمرارية النمو، إذ بدون الثقة تبدأ هواجس المستثمرين والمساهمين تنحو إلى التراجع والإحجام عن المضاربة. هذا العام تعرضت أسعار النفط لاضطرابات وعدم استقرار بسبب تزايد النزاعات المسلحة في عدد من الدول العربية التي تعتبر مصدراً ومنتجاً رئيسياً للطاقة، والتي أثرت بدورها على إنتاجية النفط والطاقة في مدن صناعية وتجارية، تعثرت وتعطلت بسبب التوتر. ونتيجة لهذا التأثر، تعرضت أسواق الأسهم للكثير من الهزات، وبدا ملحوظاً الهبوط الكبير لعدد من أسواق الأسهم الخليجية خلال الأسابيع الماضية، وتراجع الكثير من البورصات العربية، وهذا بسبب زيادة المعروض من النفط في الأسواق بحيث أثر سلباً على أسواق المال. وينتاب القلق المستثمرين من عودة أزمة 2008 التي تطل برأسها من جراء تراجع الكثير من الأسواق، وتحولت التأثيرات السلبية إلى دفع المستثمرين ورؤوس الأموال للخروج من الأسواق العربية، وسحب تعاملاتهم المالية لضخها في أسواق أوروبا لأنها حسب الاعتقاد هي المستقرة نوعاً ما. فقد تابعنا مؤخراً سحب مستثمرين حوالي 2,8 مليار دولار من الأسواق الناشئة في سلسلة عمليات بنكية للخروج من هوة الأسواق المنهارة، فالتوتر الحالي ليس مصدره عدم استقرار الشرق الأوسط إنما هناك مخاوف أوروبية من انهيار اليونان بعد عجزها عن سداد ديونها، علاوة على تراجع مؤسسات ومنظمات دولية عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه المحتاجين من المتضررين من الكوارث والحروب وكذلك برنامجا الغذاء والإغاثة العالميان فهما يعانيان من نقص الموارد المالية. أركز حديثي هنا على مؤشر الثقة، الذي يعد عاملاً أساسياً في دفع السوق نحو النمو، وغياب الثقة يعني تهاوي السوق، وتراجع أداء المتعاملين معه، أو هروب المستثمرين إلى أسواق أكثر أمناً. فمن أسباب تراجع مؤشر الثقة، عدم قدرة اليونان على النهوض من هوة ديونها، وعدم ثقة المتعامل الأوروبي في الحلول، وغياب الشفافية والنزاهة في إعلان النتائج الاقتصادية، والاختلال بين الأجهزة الاقتصادية والمتعاملين والمساهمين، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وتراجع أداء مؤسسات الاقتصاد والمال في منطقة الشرق الأوسط، ليأتي تذبذب أسعار النفط على رأس تلك المخاوف. أما إعادة الثقة، فهي تعتمد على مصداقية الأنظمة الاقتصادية، ودور الأجهزة الرقابية في مراقبة التعاملات المالية، وتعزيز قوة الأداء المالي للشركات، وبناء بيئة استثمارية محفزة. فإذا زاد الإقبال على سوق المال وإقامة المشروعات الصناعية فهذا يعني تنامي مؤشر الثقة، وفي حال سحب رؤوس الأموال أو استثمارها خارج المنطقة فهذا يدل على غياب دور مؤشر للثقة. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن تحقيق الثقة الاستثمارية في البيئة العربية الحالية؟، قد تكون الإجابة بعدم إمكانية تحقيق ذلك، بسبب التوتر في المنطقة الذي يعصف بكل شكل من أشكال النمو الاقتصادي. ومن هنا فقد قامت العديد من الأجهزة الاقتصادية في المنطقة العربية بمراجعة أنظمتها المالية والمصرفية إما عن طريق تعزيز مبدأيّ الشفافية والنزاهة أو من خلال تحديث التشريعات التي تضمن عدم هروب رؤوس أموال الاستثمارات إلى الخارج. فالوضع الراهن كما أراه هو فرصة لإعادة رسم إستراتيجيات مالية تتناسب مع المتغيرات، ولعل أبرزها تراجع الأداء في الكثير من مؤسساتنا الاقتصادية في الشرق الأوسط، وأن تضع نصب عينيها العمل على إعادة الثقة في السوق العربية لجذب استثمارات نوعية تكون فاعلاً في النمو من جديد.