10 سبتمبر 2025
تسجيلكبرنا، ونحن نعلم أنه لا أرض حربٍ إلا في فلسطين، وأنها الأرض التي كانت خضراء معطاء، ببيوت جميلة ونوافذ تطل على الحياة، وأن الورد حينما نبت، إنما تعلق بحب على الأبواب والجدران والنهار، وأن الليل أبهى في عين فلسطين، وأن الشعراء خرجوا منها ببلاغة وفصاحة وعربية باسلة.و لكن الجرذان اليهود جاءوا من قمامة الحياة، فلوثوا الأرض الطاهرة، أحرقوا البيوت، وقتلوا النساء والأطفال والرجال، والعرب في قنوط، فتبدد الجمال إلا في تراب فلسطين، وأطفال فلسطين، الأطفال الذين عندما تصورهم عدسة الكاميرا فإنها تشيب من الأزمان التي تراها في أعينهم، صغار اختبروا الحروب في وقت مبكر، اعتادوا الحجارة والنبال، تركوا الرفاهية لأطفال العالم الذي تقع حدوده خارج مخيماتهم وملاجئهم، إنهم يدركون أن أغلى ما يمكن الحصول عليه هو أرضهم، وأنهم على أرض حرب حقيقية، بينما يلعب أطفال العالم لعبة الحرب بمسدس ماء، يتبلل به وجه الطفل وهو يضحك، أقصى سعادته عندما يُلقي لعبته بعدما شبع منها، غير مدرك أن طفلا في مثل سنه يتلطخ وجهه بدم أمه التي ماتت دفاعا عنه.إننا في مأساة أجيال حقيقية، جيل واحد لا يعلم عن الآخر شيئًا، أطفالنا اليوم لا يعلمون شيئًا عن قضية فلسطين، واغتصابها كأرض عربية مسلمة، وأن خطر اليهود وقذارتهم تتفشى في العالم كالسرطان الخبيث، أطفالنا اليوم في جهل تام وفهمٍ معدم فيما يخص القدس العربية، ما عاد همهم أبدًا الصلاة في مسجد الأقصى، بل السؤال، هل يعلمون شيئًا عن المسجد الأقصى، وفضل المسجد الأقصى؟أطفالنا اليوم يعيشون بهوية مطموسة، ولغة مبددة، إنهم يعيشون بغير هويتهم، ويتحدثون بغير لغتهم، وينتمون بصورة غير مباشرة لغير حضارتهم، فإن حدث وكبروا، كيف لا يكون كل ذلك أحد مظاهر تخاذلهم، وهم تخاذلوا عن لغتهم، ثم حضارتهم، ثم الأدهى من ذلك مدنهم.إن الطفل الفلسطيني عندما يتحدث من أرض المعاناة ورحم المأساة، إنما يعبر عن نفسه بالعربية الجميلة، طلاقة لسانه وقوة تعبيره مذهلة، إنه ما تخلى عن عروبته، فما تخلت هي عنه أيضًا، وإن تخلى عنه العرب المتخاذلون، إنه يتكلم ويعلم أن هناك عالما يخونه، ويساعد في اغتصاب أرضه، وأن هناك من يعاملهم بسياسة الفناء، إنه يعلم أكثر مما نعلم، ويرى أكثر مما نرى، إنه استقى المعرفة من كل مكان، حتى من فوهة البندقية.الفرق بين أطفالنا وأطفال فلسطين في الثقافة والعلم والخبرة في الحياة، فرق شاسع، إنه الطفل غير المرفه لكنه قوي بهويته التي ما استطاعت سلالة الكلاب أن تمحوها، ولعلي أحزن عندما أرى صغارنا المرفهين أكثر مما ينبغي، حتى اعوجت ألسنتهم بالكلام الأعجمي، وانعدمت ثقافتهم إلا فيما يخص ألعابهم، ورحلات الصيف والشتاء، والتفاخر بالهواتف والتطبيقات التي قد لا تزيدهم إلا جهلا.إننا نحمل في أعناقنا أمانة المعرفة لأولادنا، أن نعلمهم أن هناك معركة حقيقية، غير تلك التي يلعبونها في ألعاب الفيديو الالكترونية، وأن هناك أطفالاً في سنهم لكن عقولهم تتجاوز عقول أجيال مضت، إنها قضية إنسانية، والطفل مستقبل إنسان، انهم كلهم من وطن واحد، ودين واحد، يخوضون معركة واحدة لعدو واحد.