13 سبتمبر 2025

تسجيل

انهزامية المثقف

26 مايو 2014

كانت ممسكة بحقيبتها وبعض الأوراق عندما دخلَت الرواق الذي يفضي إلى قاعة الملتقى الأدبي، وكنت أقف على الباب أنتظر صديقتي، اقتربت مني لتقول بلسان غير عربي "where is the entrance please " أين المدخل من فضلك.؟أشرت لها على الباب، وأنا أتساءل لماذا خاطبتني بالانجليزية، وهي تراني أرتدي ما يدل على أنني لا أتكلم العربية، بل أتكلم اللهجة ذاتها التي تتحدثها هي.دقائق وابتدأت الفعاليات، والوقت مجدول بأسماء "المثقفين" الذين سيتكلمون عن المواضيع المعدّة التي تخص المبدع القطري، وما لبثنا إلا قليلا، حتى اعتلت المثقفة التي خاطبتني بغير لغتي المنبر، وبدأت تتحدث عن الهوية، والمشكلة التي يواجهها الشباب في الاعتزاز بهويتهم العربية.أذكر حينها أنني عانيت من عصف ذهني قابله ارتطام مدوٍ بين الموقفين، عشرات التساؤلات كانت تطوف ذهني، أليست اللغة هوية؟ أليست اللغة وعاء الثقافات؟ ما الفرق بين الهوية واللغة؟ بل عن أي هوية يتحدثون؟ كيف سيقوم جيل على التناقض؟ كلام على المنابر وفعل نقيض على أرض الواقع؟ لا! إنه بلا شك مسخ لغوي.إنها ظاهرة " الاستعجام" تلك التي تحدث عنها الدكتور فتحي جمعة في كتابه اللغة الباسلة، ويعني " إقحام الكلام الأعجمي بغير ضرورة، وهو مظهر من مظاهر الانهزام النفسي والشعور بالدونية الحضارية، إنها ظاهرة قبيحة كريهة".إننا نعاني من هذا السلوك من بداية الهرم الثقافي في المجتمع، ابتداءً بالمثقفين مرورا بالطلاب، وحتى آخر الهرم الأطفال، ففي مواقع الاتصال الاجتماعي، تجد أنهم يعبرون عن أنفسهم باللغة الانجليزية، ولكأنهم يعانون من مشكلة في التعبير باللغة العربية، ومشكلة أخرى في التواصل، وتلك أمر وأنكى لأنهم يعرّضون لغتهم للمهانة والازدراء، وإنني أستذكر قول طه حسين في ذلك السلوك "الذي لا يقدر على لغته العربية ليس ناقص الثقافة فحسب، ولكنه ناقص المروءة، أو ناقص الرجولة".يجب علينا الإدراك أننا لن نتفوق ثقافيا، ما دمنا نستخدم زاد غيرنا في رحلتنا إلى النهضة العلمية، لأننا وببساطة نفتقر إلى أدوات تشكيل ثقافتنا ورسم هويتنا، فالرؤية مضببة، والرسالة ضعيفة في تعبيرها، انهزامية كأصحابها. يقول المفكر اليهودي إليعازر بن يهودا "لا حياة لأمة دون لغة" فكان أن قام المشروع اليهودي، لتتحول اللغة العبرية من لغة دينية تستخدم للعبادة والصلوات، إلى لغة التعلم والخطاب اليومي، ولعلي لا أنكر فضل تعلم اللغات الأخرى، قوة أخرى، وإضافة عظيمة لوعاء المعرفة، ولكن دون ازدراء وتهميش اللغة التي هي الوجه الآخر للهوية، فمشروع النهضة يبدأ من هنا.