06 أكتوبر 2025

تسجيل

ما بين خريف سوداني.. وطائرة ريس

12 أغسطس 2013

ليس فقط على وزن الربيع العربي.. فالسودان ظل عصياً على الإتيان بالربيع لكنه فشل في درء كارثة ليست الاولى في تاريخه، كما فشلت المعارضة السياسية جرجرة اذياله، رغم أن أطرافه إما منفصلة كجنوبه أو تصارع للاستقرار كدارفور، مما أرهق كاهل المواطن الأغبش.. هل يرجع ذلك لقبضة الجالسين على مقاليد الحكم.. أو لمعارضة ما انفكت تطلق تصريحات لا يحسبها المتلقي إلا فضفضة وإخراجاً للهواء الساخن من الصدور، لأنها غادرت اهتمام المواطن الذي يصرف جل وقته للقمة العيش، في وقت ارتفعت تكاليف "قفة الملاح" وضرورات العلاج والتعليم لأرقام فلكية مع التردي العام في الخدمات.. • الخرطوم وضواحيها لم تنم الايام الماضية؛ فقد قضى الغالبية ليلتهم في ملحمة نفير شعبي يحمون صغارهم ونساءهم وحيطان منازلهم واسقفها من انزلاق جرف الممتلكات والحيوانات والجهال، وغرقت البلاد في "شبر ميّه".. سيول جاءتها من الجبال والاودية والجحور العشوائية التي يسكنها الغلابة، وأمطار غزيرة استمرت ليومين في ظل بنية تحتية متهالكة في قلب العاصمة فما بال الاقاليم؟ فحدث ولا حرج. • العام 1988 أعلن السودان موطن كوارث، بعد ان اجتاحته فيضانات وامطار، ووقتها وصلته معونات دولية واقليمية من الاشقاء العرب محملة بالاغاثة؛ شملت رغيف الخبز!! ففي ذلك الزمان كانت النساء يشعلن الفحم والاخشاب لطهي الطعام قبل الاكتشافات البترولية التي ادخلت الغاز للمطبخ، ولكن "يا فرحة ما تمت" فقبل الانضمام لنادي النفط دخلت البلاد في مناوشات مع الجار "المنفصل" الغني بالذهب الأسود، فاختلطت الأوراق وتدحرج الاقتصاد لدرجات متدنية يدفع ثمنها "الغُبُش" ملح الأرض. • 25 عاماً منذ كارثة 1988 الشهيرة.. وقرابة الـ 60 عاما من عمر الاستقلال وما زالت بيوت العاصمة تقضي حاجتها وتفرق "قاذوراتها" في آبار يشيدها ملاك المنازل، كيفما كانت امكاناتهم المالية، وما أن تعاقدت ولاية الخرطوم لإنشاء شبكة صرف صحي بثالث مدن العاصمة المثلثة وبإحدى أعرق الأحياء المكتظة بالسكان اختلط "الماء العذب بالنجس" لعدم المتابعة المنضبطة، رغم ان المهندس السوداني مشهود له، ولكن غالبية الكفاءات هجرت البلاد، او هم مبعدون عن مواطن القرارات و"كيكة" العطاءات. • "25" عاماً كافية لعمل خريطة عصرية بمصارف صحية تحت الارض وجسور وكباري فوقها، ولكن مع خرير سيول ليلة السبت انكشف المستور، وبدلاً من فتح غرف للطوارئ وأخريات لتدارس معالجات جذور المشكلة، طاف الريس بمروحية مبرراً الإخفاق وعدم الاستعداد المتقن؛ بأن الأمطار والسيول فاقت التنبؤاءت!! في الوقت الذي جلس حاضنو الكيبورد "المعارضون" لتفنيد لماذا منعت السعودية طائرة الرئيس من العبور للمشاركة في تنصيب رئيس ايراني منتخب، وكأن مشاكل البلاد ستحل بالقبض عن الريس المتخفي من المحكمة الجنائية. • إن كانت حادثة عبور الطائرة عرضياً، فان الخريف مكرر ضمن فصول السنة، ويحصد الأرواح وقوت العباد ويتلف البنية الهشة، وآثاره الصحية ممتدة، وبرغم أن "الخريف والطائرة" لا يتشابهان، لكنهما يتوافقان في ان اصل مشكلة السودان عدم التحديد الدقيق للاولويات، وتهميش الكفاءات لعدم الولاء السياسي، وتجاوز أخطاء المحسوبين وأصحاب الحظوة، ووقوف المعارضة عند عتبات المناوشات السياسية على حساب الجلوس إلى كراسي التوافق الهادف لبناء الوطن.. • ستظل الخرطوم تغرق بخرير الماء، والطائرات تعود أدراجها وفي جوفها ريس مثقل بهموم الحكم والملاحقة الجنائية، لان العضلات تراخت عن ضرب رقاب المقصرين، ولارتخاء عضلات المعارضة التي لا تحسن إلا إخراج الهواء الساخن، ومؤسسات مالية وشركات استثمار لم تتقن المسؤولية الاجتماعية لسوء الرقابة والتوجيه الحصيف.. أما المواطن فيضيق صدره لهثاً وراء لقمة عيش جاف، ويضرب كفاً بكف "أين المفر؟" فالسيول تحته وأمطار غزيرة تنهمر فوق رأسه وطائرات إنقاذ تحلق في السماء علها تمطر ذهباً، رغم أن السودان سلة لغذاء العالم.. أنجز مشروعات عملاقة كسد مروي لان كثيرين وضعوا في كراسي أكبر من حجمهم.. ولأن حديث الإخفاقات يطول نقول.. آه يا وطن.. همسة: الأوطان التي تتقن التخطيط والتنفيذ المنضبط تسجل أسطرها ضمن الدول الحافظة لحقوق مواطنيها المحفزة لقدراتهم.