11 سبتمبر 2025
تسجيل1. استحب صيام ستة من شوال أكثر العلماءهذا هو مذهب السلف والخلف وجمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ، والشافعي وأحمد .للحديث الصحيح عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".صحيح مسلم كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان.عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: "الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار[1].قال أبو السعادات ابن الأثير في النهاية: أي إذا ترك الناس الطاعات ورغبوا عنها . كان المتسمك بها له ثواب كثواب الكار في الغزو بعد أن فر الناس عنه.وقد قال تعالى :"فإذا فرغت فانصب" في هذه الآية الكريمة حث على الاجتهاد في العبادة والنَّصَب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض، ويتابع ويحرص على أن لا يخلى وقتا من أوقاته منها. فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى، فنحن لتوِّنا فرغنا من صيام الفرض (شهررمضان ) فلننهض لصيام السنَّة بأنواعها على مدار العام وفي مقدمتها الأيام الستة ..2. وجه كون صيام ستة أيام بعد رمضان يعدل صيام الدهروإنما كان صيام رمضان واتباعه بصيام ست من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها لقوله تعالى :" مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا"الأنعام/160. وقد جاء ذلك مفسرا من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة" صححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 950 , وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1007 وهذا من عظيم فضل الله تعالى أن تتاح للعبد فرصة الحصول على ثواب عبادة الدهر على وجه لا مشقة فيه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .ومن ذا الذي يتأتي له صيام الدهر مع القيام بباقي التكاليف والمسؤوليات والتبعات المنوطة به للخالق سبحانه وللخلق ؟؟!! انظر مثلا قيام الليل كله ، يكره صلاة كل الليل دائماً لكل أحد،لأن في صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق، لأنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام نوماً ينجبر به سهره فوَّت بعض الحقوق، بخلاف من يصلي بعض الليل فإنه يستغني بنوم باقيه، وإن نام معه شيئاً في النهار كان يسيراً لا يفوت به حق ولهذا رأينا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، لا يُقر من عزم على قيام الليل كله بلا نوم ، كما في الصحيح عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالُ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" صحيح البخاري،. كِتَاب النِّكَاحِ. باب التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ. لقد أرشد هذا الحديث إلى طريقة النبي صلوات الله وسلامه عليه الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.وقس على هذا الصيام كما رأينا في هذا الحديث الصحيح وسائر التكاليف الأخرى .فسبحان من يمن بالفضل على من يشاء من عباده.3. حكمة النص على شوال أن ثواب الصيام فيه ثواب الفرضفإن قال قائل: فلو صام هذه الأيام الستة من غير شوال يحصل له هذا الفضل؟ فكيف خص صيامها من شوال؟ قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان في الفضل والأجر والثواب فيكون له أجر صيام الدهر" فرضا" ذكر ذلك ابن المبارك وذكر: أنه في بعض الحديث حكاه الترمذي في جامعه ولعله أشار إلى ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها: أن من صام الغد من يوم الفطر فكأنما صام رمضان. وأكثر العلماء على: أنه لا يكره صيام ثاني يوم الفطر وقد دل عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لرجل: [ إذا أفطرت فصم]ومما لا شك فيه أن ثواب وأجر الفرض أعظم وأكبر من ثواب وأجر النافلة ، هذا من ناحية وأخرى أنه إذا تحقق صيام الدهر أو تحصَّل ثواب صيام الدهر بصيام ستة أيام مع رمضان ، وكان الأجر بحساب الفريضة ، فإنه ثمَّة طريق أخرى لتحصيل ثواب صيام الدهر ولكن بحساب النافلة وذلك للحديث الصحيح عن عبد الله بن عَمْرو – رضي الله عنهما – قال : قَالَ لي رَسُول الله صلوات الله وسلامه عليه - صم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن لَك بِكُل حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا، فَإِن ذَلِك صِيَام الدَّهْر " الجمع بين الصحيحين (3/ 430)[2] وثمَّة روايات عن عائشة وأم سلمة ، وأبي ذر عبد الله بن مسعود وغيرهم – رضي الله عن الصحابة أجمعين .4. ثاني حكمة في النص على شوال إرادة اليسر والسهولة على المكلفينأن المراد به الرفق بالمكلف , لأنه حديث عهد بالصوم , فيكون الصوم أسهل عليه وأيسر ، ومما لا شك فيه أن صيام اليوم العشرين وما يتلوه لا يكون فيه من المشقة ما يكون في اليوم الأول وتاليه ، من نقص لنسبة السكر في الدم ، وتغيير نمط الحياة ، فيسهل الأمر بعد ذلك ويهون، ولذا تم النص على شوال لأنه الأيسر والأسهل ، فيُستحب للمسلم أن يعمد إلى الأسهل والأيسر من أمور عبادته وطاعته إيلافا للنفس على الطاعة وعونا لها، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت {ما خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه ... }[3] ألم تر إلى الحديث الشريف عن عامر بن مسعود الجُمَحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة}[4] رواه أحمد ، ومراعاة اليسر على النفس في القيام بالعبادة متوافق مع روح الشريعة السمحاء يقول تعالى وسط آيات الصيام : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)البقرة/185ويقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)البقرة/286وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ."صحيح البخاري، كِتَاب الْإِيمَانِ. باب الدِّينُ يُسْرٌ.وقال رسول صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتاً وَلاَ مُتَعَنِّتاً، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّماً مُيَسِّراً".صحيح مسلم.كتاب الطَّلاق. باب بيان أن تخيِّير امرأته لا يكون طلاقاً إلاَّ بالنِّية. وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل ولأبي موسى الأشعري عندما بعثهما إلى اليمن: " "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا". صحيح البخاري، كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ. باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْحَرْبِ وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ. صحيح مسلم كتاب الجهاد والسِّير. باب في الأمر بالتَّيسير، وترك التَّنفير. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً5. ثالث حكمة في النص على شوال المشقة في الصوم بعده لبعد العهد إذًا في ذكر شوال تنبيه على أن صوم هذه الأيام الستة في غير شوال أفضل , -لما كان الثواب على قدر المشقة - حكاه القرافي من المالكية , وهو غريب عجيب.ويشهد له قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنّ لَكَ مِنَ الأَجْرِ على قَدْرِ نَصَبِكَ ونفقتك) صحيح الجامع حديث رقم: 2160 عن عائشة رضي الله عنها - [الألباني] وفي الرواية الأخرى: (أجرك على قدر نفقتك)وفي الصحيح عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:" إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَء.."[صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقم: 4031، وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2111، 146] موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني (ص: 4894، بترقيم الشاملة آليا)6. رابع حكمة في النص على شوال القصد إلى المبادرة بالصيام قبل العوارض والموانعأن المقصود به المبادرة بالعمل , وانتهاز الفرصة , خشية الفوات.أو قبل أن تعرض العوارض ، وتمنع الموانع ، قال تعالى {فاستبقوا الخيرات} وقال تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وهذا تعليل طائفة من الشافعية وغيرهم.وفي الأثر "بادِرُوا بالأَعْمالِ هَرَماً ناغِصاً وَمَوْتاً خالِساً وَمَرَضاً حابِساً وَتَسْوِيفاً مُؤْيِساً[5] "هب - عن أبي أمامة" وفى رواية أو "ندمًا قائمًا" ومن غريب الحديث: "ناغصًا": مكدرًا. "خالسًا": يأتى خلسة.وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَّرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ[6]. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه الحاكم[7]ومعنى بادر الشيءَ: عجل إليه , واستبق وسارع. قالوا: ولا يلزم أن يعطي هذا الفضل لمن صامها في غيره , لفوات مصلحة المبادرة والمسارعة المحبوبة لله.وأقول لا حرج على فضل الله تعالى وظاهر الحديث "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ،صحيح مسلم كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان مع هذا القول. أي المبادرة قبل أن تمنع الموانع ومن ساعده الظاهر فقوله أولى. ولا ريب أنه لا يمكن إلغاء خصوصية شوال , وإلا لم يكن لذكره فائدة.7. خامس حكمة في النص على شوال استدراك الرسول Iفيه ما فاته فى رمضانقال الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى - قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ثم قضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه كما في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَالْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ" صحيح البخاري كتاب الاعتكاف.باب اعْتِكَافِ النِّسَاءِ. فيه دليل على أن النوافل المعتادة إذا فاتت تقضي استحباباوقضاؤه صلى الله عليه وسلم له فعلى طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملا أثبته لم يدخل فيه؛ لأنه Iكان أوفى الناس بما عاهد عليه الله ، قال المهلب: فى قوله عليه السلام: (آلبر ترون بهن) من الفقه أن من عُلم منه الرياء فى شىء من الطاعات فلا بأس أن يُقطع عليه فيه ومنعه منه، ألا ترى قوله عليه السلام: (آلبر ترون بهن) . يعنى أنهن إنما أردن الحظوة والمنزلة منه عليه السلام، فلذلك قطع عليهن ما أردنه وأخر ما أراده لنفسه.8. سادس حكمة في النص على شوال استنهاض أم سلمة أهلها قضاء الدَّين فيهفقد ورد عن أم سلمة رضي الله عنها - أنها كانت تأمر أهلها من كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ أن يقضيه الغد من يوم الفطر فمن كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع لبراءة ذمته، وبمثل ما قلنا في المسارعة إلى مرضاة الله تعالى نقول هنا بل إن المسارعة في أداء الفرض أولى منها في النافلة ، لمَّا كان الحساب بين يدي الله تعالى عن الفرض أولا ثم السنة .9. سابع حكمة في النص على شوال المسارعة إلى جبر الخلللما كان صوم رمضان لا بد أن يقع فيه نوع تقصير وتفريط , وهضم من حقه وواجبه ندب إلى صوم ستة أيام من شوال , جابرة له , ومسددة لخلل ما عساه أن يقع فيه. فجرى صيام هذه الأيام مجرى سنن الصلوات التي يتنفل بها بعدها جابرة ومكملة , قلت وعلى هذا المعنى المسارعة إلى جبر الخلل والاعتذار عن السهو والتفريط خلال صيام الشهر فَحَسُن صيام الأيام الستة خلال شوال مثلها في ذلك مثل سجود السهو في الصلاة ، ولمَّا كان سجود السهو منه ما يكون قبل السلام ومنه ما يكون بعد السلام ، فكذا من لم يتمكن من صيام هذه الأيام الستة حلال شوال ، فليبادر بها بعده ، وفضل الله لا حرج فيه ، وتظهر فائدة اختصاصها بشوال إذا ما بادر بها المسلم , والله أعلم.10. هل يمكن أن تُصام هذه الأيام الستة في غير شوال وتحصل نفس المزية والأجر ؟نعم إن شاء الله تعالى للحديث الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ , وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ , فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ) قال تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (جة) 1715 , صححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 950 , وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1007فهل الْمُرَادُ بقوله "...بَعْدَ الْفِطْرِ .." الْبَعْدِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثالها} صحيح الجامع حديث رقم: 6328 عن ثوبان[الألباني] صحيح الترغيب 997و صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1084)قال الملا الهروي القاري فى مرقاة المفاتيح (..لَا يَخْفَى أَنَّ ثَوَابَ صَوْمِ الدَّهْرِ يَحْصُلُ بِانْضِمَامِ سِتٍّ إِلَى رَمَضَانَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي شَوَّالٍ فَكَانَ وَجْهُ التَّخْصِيصِ الْمُبَادَرَةَ إِلَى تَحْصِيلِ هَذَا الْأَمْرِ، وَالْمُسَارَعَةَ إِلَى مَحْصُولِ هَذَا الْأَمْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذكَرْنَاهُ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ" مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1417)ودليل من ذهب إلى أن ثوَابَ صَوْمِ الدَّهْرِ يَحْصُلُ بِانْضِمَامِ سِتٍّ إِلَى رَمَضَانَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي شَوَّالٍ ما أخرجه أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ والدارمي وَالْبَزَّار من حَدِيث ثَوْبَان عَنهُ[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَآله وَسلم أَنه قَالَ: "من صَامَ رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بعد الْفطر كَانَ تَمام السّنة من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا "حيث قال "وَسِتَّة أَيَّام بعد الْفطر"وهناك استنباط آخر دقيق في المسألة من نص حديث أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".صحيح مسلم كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان" وذلك كالآتي : نقول "مِنْ " تأتي في كتاب الله تعالى على نحو بضعة عشر معنى اتفق النحاة على أن المعنى الرئيسي لهذه المعاني لــ(من) الجارة هو ابتداء الغاية ؛ مكانية: مثل: قوله تعالى {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، أو زمانية مثل: قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ} ، أو مطلقة من المكان والزمان مثل: قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} وفي الحديث الشريف قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) «مطرنا من الجمعة إلى الجمعة»ومن معاني "مِنْ" أيضا في اللغة التبعيض بأنْ تسدّ "بعض " مسدَّها، نحو: (حتى تُنْفِقوا مما تحبون) .وقرأ ابن مسعود "بَعْض ما تحبّون" وعلى هذا إذا اعتبرنا أن " مِنْ " في قوله صلوات الله وسلامه عليه " مِنْ شَوَّالٍ " تبعيضية فعليه تكون الأيام الستة بعض شهر شوال، وإذا اعتبرناها ابتدائية فيكون الصيام لهذه الأيام الستة في أي وقت من أشهر الإفطار ابتداء من شوال ، على اعتبار أنه أول أشهر الفطر ، ويكون النص على شوال في الحديث لأنه أول هذه الأشهر وللمعاني الأخرى التي سقناها ، ويشهد له الروايات الصحيحة التي سبقت فى هذا المبحث والتي جاء بها ذكر الأيام الستة دون قيد شوال : "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثالها} صحيح الجامع حديث رقم: 6328 [الألباني] قلت :وهذا الاستنباط الدقيق المفيد لكون صيام الأيام الستة يتحقق فضله وأجره ، وإن لم تقع في شوال – إن كان على صواب وهدي وفتح من الله تعالى - يكون باب رحمة من الله تعالى لعباده فلا نُحجِّر واسعا ، وتبقي حكمة النص على شوال ما سبق أن أشرنا إليه والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم. 11. المسارعة إلى ما فيه مرضاة لله تعالىفي النهوض من ثاني أيام شوال إلى صيام الأيام الستة مسارعة إلى مافيه مرضاة لله تعالى قال تعالى:"وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى"طه/84 وقال تعالى:"وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"آل عمران/133 وقال تعالى:"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"الحديد/21.12.استكمال أجر صيام الدهر كله بحساب فرض رمضان بهامن هذه الحِكَم أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله بحساب فرض رمضان ، فعن الشعبي قال: لأن أصوم يوما بعد رمضان أحب إليّ من أن أصوم الدهر كله وإلا فإن صيام الدهر يتحصل بطرق أخري عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".صحيح مسلم كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان" ومن صور صيام الدهر وتحصيل أجره بيسر وسهولة ما ورد في الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ له : رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ.صحيح مسلم كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، ولكن هذه الصورة الأخيرة صيام ثلاثة أيام من كل شهر يكون ثوابها ثواب النافلة بينما صيام ستة أيام بعد رمضان يكون ثوابها ثواب صيام الدهر بحساب الفريضة والحديث الصحيح قدَّم الفريضة على النافلة "..وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّه.." صحيح البخاري، كِتَاب الرِّقَاقِ. باب التَّوَاضُعِ.فافترق النوعان والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم.13. كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدهامن هذه الحِكَم أن الصيام فى شعبان وشوال كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهما - قالت: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» (رواه البخاري ومسلم.).هذا عن الصيام القبلي – أي قبل صوم رمضان- كما أن للصلاة سننا قبلية وأخرى بعدية فكذلك الصيام في الحديث الصحيح ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيْقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ:كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَاً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِمَاً، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِداً، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِداً رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب فضل السُّنن الرَّاتبة قبل الفرائض وبعدهنَّ، وبيان عددهنَّ. وعند البخاري منْ حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ"صحيح البخاري كتاب التهجد. باب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى. وكذا الشأن في الزكاة للحديث في المال حق سوى الزكاة.وإن لم تكن بنفس التراتبية.القبلية والبعدية.14. إكمال النقص وجبر الخللمن حِكْمة مشروعية صيام الأيام الستة بعد رمضان جبر الخلل ، وتعويض النقص الذي عساه أن يكون قد وقع خلال الصوم فالإنسان لا يخلوا من خطأ ونقص ومعصية، فكانت مشروعية النوافل التي تكمل الناقص من الفرائض ومن ذلك الصوم، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه، فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل. فكل ابن آدم خطاء، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة، فشرع التطوع لجبر ذلك النقص، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة " [رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند]، فالمسلم يسعى لزيادة الأجر، وتحصيل المثوبة من الله تعالى، ولا يتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات، ومنها صيام ستة أيام بعد رمضان ، ومنها صوم يوم عرفة. وهناك أيام وأشهر رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تحري صيامها لما فيها من أجر ومثوبة، وهي من صوم التطوع. فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال ولهذا في الحديث النهى أن يقول الرجل صمت رمضان كله أو قمته كله ،عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ وَلاَ قُمْتُهُ كُلَّهُ. وَلاَ أَدْرِي كَرِهَ التَّزْكِيَةَ، أَوْ قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ غَفْلَةٍ وَرَقْدَةٍ. - وفي رواية: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَاللهُ أَعْلَمُ أَخَشِيَ التَّزْكِيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ، أَمْ يَقُولُ: لاَ بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ، أَوْ غَافِلٍ[8]. حم (20795)هذا والأصل في هذه الحكمة ما ورد عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضته شيءٌ قال الرب عز وجل: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك".سنن الترمذي كتاب الصلاة عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ باب مَا جَاء أن أولَ ما يحاسَبُ به العَبْدُ يومَ القيامةِ الصّلاة.قال العراقي في شرح الترمذي: هذا الذي ورد من إكمال ما ينتقص العبد من الفريضة بما له من التطوع يحتمل أن يراد به ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة المرغب فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله في الفريضة وإنما فعله في التطوع، ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأساً فلم يُصَلِّه فيعوض عنه من التطوع، والله تعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضاً عن الصلاة المفروضة ولله سبحانه أن يفعل ما شاء، فله الفضل والمن، بل له أن يسامح وإن لم يصل شيئاً لا فريضة ولا نفلاً (ثم تؤخذ الأعمال على ذاك): أي إن انتقض فريضة من سائر الأعمال تكمل من التطوع، وفي رواية لابن ماجه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك. قال المنذري: وأخرجه ابن ماجه. فالإنسان عليه أن يحرص على الفرائض ويحرص على النوافل، ولا يتهاون بالنوافل؛ لأن التهاون بالنوافل قد يؤدي إلى التهاون بالفرائض والعياذ بالله –15. مشروعية الصيام عند العجز عند صدقة الفطركان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: من لم يجد ما يتصدق به فليصم يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات في مثل كفارات القتل والوطء في رمضان والظهار فإنه في كفارات كثير من الذنوب قد تمت المراوحة بين الصيام والإطعام –في كفارة اليمينقال تعالى:"لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْأَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"المائدة/89}في كفارة الظهارقال تعالى:"وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ"المجادلة/3-4وفي كفارة الجماع في نهار رمضانجاء الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "وَمَا أَهْلَكَكَ؟".قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ.قَالَ: "هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟".قَالَ: لاَ.قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟".قَالَ: لاَ.قَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟".قَالَ: لاَ.قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٌ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: "تَصَدَّقْ بِهَذَا".قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا.فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىَ بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ. صحيح مسلم كتاب الصيام. باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع.وفي مشروعية صدقة الفطر جاء في الحديث "طعمة للمساكين ، وطهرة للصائم من اللغو والرفث"ومن ذلك استنبط الخليفة الخامس قيام الصيام مقام الإطعام عند العجز عن صدقة الفطر ، لاشتراكهما في تكفير السيئات كما أصَّلنا وفصَّلنا.16. نقض دليل سقوط النوافل بعد أداء الفرائضفي الحديث الصحيح عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً، أدخل الجنة؟ قال: "نعم". رواه مسلم كتاب الإيمان. باب بيان الإِيمان الَّذي يدخل به الجنَّة، وأنَّ من تمسَّك بما أمر به دخل الجنَّة.هذا الرجل السائل هو النعمان بن قوقلوعن طَلْحَة بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ.قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟قَالَ لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ." صحيح البخاري كِتَاب الشَّهَادَاتِ. باب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ.هذا الرجل لعله ضمام بن ثعلبة ، والحديث الصحيح هنا دليل على أن الإنسان إذا اقتصر على الواجب في الشرع فإنه مفلح ولكن لا يعني هذا أنه لا يسن أن يأتي بالتطوع لأن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة وكم من إنسان أدى الفريضة وفيها خلل وفيها خروق وفيها خدوش تحتاج إلى تكميل وإلى رتق الصدع.ومن ناحية أخرىيحتمل أن يكون هذا الحديث الأخير فى أول الإسلام قبل ورود كامل الفرائض ، فإنه لم يُذكر هنا الحج ، وشرائع وشعب أخرى للإيمان مما يقطع بأنه قد كان في أول الإسلام ولا يجوز أن يسقط فرض الحج عمن استطاع إليه سبيلاً، كما لا يجوز أن تسقط عنه فرائض النهى كلها، وهى غير مذكورة فى هذا الحديث، ولا يجوز ترك اتباع النبى (صلى الله عليه وسلم) والاقتداء به فى سنته، لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7] وفي الحديث تأويل آخر: يحتمل أن يكون قوله: تمت والله لا أزيد على هذا ولا أنقص - على معنى التأكيد فى المحافظة على الوفاء بالفرائض المذكورة، من غير نقصان شىءٍ من حدودها، كما يقول العبد لمولاه إذا أمره بأمر مهم عنده: والله لا أزيد على ما أمرتنى به ولا أنقص، أى أفعله على حسب ما حددته لى، لا أخلُّ بشىءٍ منه، ولا أزيد فيه من عند نفسى غير ما أمرتنى به، ويكون الكلام إخبارًا عن صدق الطاعة وصحيح الائتمار. ومن كان فى المحافظة على ما أُمِرَ به بهذه المنزلة، فإنه متى ورد عليه أمرٌ لله تعالى أو لرسوله فإنه يبادر إليه، ولا يتوقف عنه، فرضًا كان أو سُنَّةً. فلا تعلُّق فى هذا الحديث لمن احتج أن تارك السُّنن غير حَرِجٍ ولا آثمٍ، لتوعد الله تعالى على مخالفة أمر نبيه. في قوله تعالى :" ً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِأَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "النور/63. وبهذا التأويل تتفق معانى الآثار والكتاب، ولا يتضاد شىء من ذلك.شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 105)قال صاحب المفهم: لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم للسائل في هذا الحديث شيئاً من التطوعات على الجملة وهذا يدل على جواز ترك التطوعات على الجملة لكن من تركها ولم يفعل شيئاً فقد فوَّت على نفسه ربحاً عظيماً وثواباً جسيماً، ومن داوم على ترك شيء من السنن كان ذلك نقصاً في دينه وقدحاً في عدالته، فإن كان تركه تهاوناً ورغبة عنها كان ذلك فسقاً يستحق به ذماً.قال علماؤنا: لو أن أهل بلدة تواطئوا على ترك سنة لقوتلوا عليها حتى يرجعوا. ولقد كان صدر الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل مثابرتهم على الفرائض ولم يكونوا يفرّقون بينهما في اغتنام ثوابها.وإنما احتاج أئمة الفقهاء إلى ذكر الفرق لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها وخوف العقاب على الترك ونفيه إن حصل ترك بوجه ما. وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تنبيهه على السنن والفضائل تسهيلاً وتيسيراً لقرب عهده بالإسلام لئلا يكون الإكثار من ذلك تنفيراً، له وعلم أنه إذا تمكن في الإسلام وشرح الله صدره رغب فيما رغب فيه غيره أو لئلاَ يعتقد أن السنن والتطوعات واجبة فتركه لذلك. وإنما شرعت لتتميم الفرائض فهذا السائل والذي قبله إنما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم تسهيلاً عليهما إلى أن تنشرح صدورهما بالفهم عنه، والحرص على تحصيل المندوبات فيسهل عليهما. وهذا يسمى بمحافظته على فرائضه وإقامتها والإتيان بها في أوقاتها من غير إخلال بها - فلاحاً كثير الفلاح والنجاح - وليتنا وفقنا - كذلك ومن أتى بالفرائض وأتبعها النوافل كان أكثر فلاحاً منه. شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 83)17. رد شبهة ودفع تَوَهُّم قيام النافلة مقام الفريضةولكن هل تقوم النافلة مقام الفريضة؟في ذخيرة القرافيقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا وَرَدَ مِنَ أَنَّ النَّوَافِلَ فِي الصَّلَاةِ تُكَمَّلُ بِهَا الْفَرَائِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعْنَاهُ تَجْبُرُ السُّنَنَ الَّتِي فِيهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْدِلَ النَّوَافِلُ وَإِنْ كَثُرَتْ فَرْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ (مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ) فَفَضَّلَ الْفَرْضَ عَلَى النَّفْلِ وَإِنْ كَثُرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهَذَا الظَّاهِرِ غَيْرَ أَنَّهُ يُشْكِلُ بِأَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَالْعِقَابَ يَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ ثُمُنَ دِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ يُرْبِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمِ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَإِنَّ قِيَامَ الدَّهْرِ لَا يَعْدِلُ الصُّبْحَ. الذخيرة للقرافي (13/ 358)وقال الإمام جلال الدين السيوطي في حاشيته على سنن النسائي "..وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ يُكْمِلُ لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ سَائِرُ الْأَعْمَالِ تجرى على حسب ذَلِك قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُكْمَلَ لَهُ مَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَأَعْدَادِهَا بِفَضْلِ التَّطَوُّعِ وَيَحْتَمِلُ مَا نَقَصَهُ مِنَ الْخُشُوعِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الزَّكَاةِ إلا فرض أَوْ فَضْلٌ فَلَمَّا تَكَمَّلَ فَرْضُ الزَّكَاةِ بِفَضْلِهَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَفَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَعُ وَوَعْدُهُ أَنْفَذُ وَكَرَمُهُ أَعَمُّ وَأَتَمُّ وَفِي أَمَالِي الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنَّ النَّوَافِلَ مِنَ الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُكْمَلُ بهَا الْفَرَائِض المعني بذلك أَنَّهَا تَجْبُرُ السُّنَنَ الَّتِي فِي الصَّلَوَاتِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْدِلَ شَيْءٌ مِنَ السُّنَنِ وَاجِبًا أَبَدًا إِذْ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ أَحَدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ فَفُضِّلَ الْفَرْضُ عَلَى النَّفْلِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُعَضِّدُهُ الظَّاهِرُ إِلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مُرَتَّبَانِ عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَلَا يُمْكِننَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ ثَمَنَ دِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ تَرْبُو مَصْلَحَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمِ تَطَوُّعٍ وَأَنَّ قيام الدَّهْرِ كُلِّهِ لَا يَعْدِلُ رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ). حاشية السيوطي على سنن النسائي (1/ 236)18. أمارة عدم السآمة والملل من عبادة الله تعالىالنهوض إلى صيام ستة أيام بعد رمضان دليل عدم السآمة والملل ، وأمارة انتفاء التضجر من هذه العبادة وفي الحديث الصحيح "...فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا" صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. باب أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ. وفي الرِّواية الأخرى: "لاَ يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوْا" وهما بمعنىً. والملال: استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق. إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ، قال القرطبي: وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا، عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه.وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه.وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم،وقد ذمَّ الله من اعتاد عبادة ثمَّ فرَّط فيها فقال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]ولم يقبل رسول الله صلوات الله وسلامه ، التشدُّد في العبادة على النفس ، وإنما أحب أخذ النفس بالعزيمة على الطاعة عند قوتها وحيويتها ونشاطها، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟"قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ.فَقَالَ: "حُلُّوْهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ".صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها. باب فضيلة العمل الدَّائم من قيام اللَّيْل وغيره والأمر بالاقتصاد في العبادة وهو أن يأخذ منها ما يطيق الدَّوام عليه.وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص عَلَى تركه قبول رخصة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في تخفيف العبادة ومجانبة التَّشديد على النفس مراعاة لأحوالها التي لاتدوم ، ففي الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ، مَا عِشْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "آنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِك؟".فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ.فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ".قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِك.قَالَ: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ".قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ.قَالَ: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ".قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ".قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي.وفي رواية :"قَالَ: فَشَدَّدْتُ، فَشُدَّدَ عَلَيَّ.قَالَ: وَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ".قَالَ: فَصِرْتُ إِلَىَ الَّذِي قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنَّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ.باب حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ.صحيح مسلم كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم.واتخذ صلوات الله وسلامه عليه من أسلوب المدح وسيلة لإنهاض العزائم على فعل الخير ، ففي الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَا عَبْدَ اللهِ لاَ تَكُنْ مِثْلِ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ".صحيح مسلم كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم.19.أمارة الإخلاصالصيام أفضل أعمال العباد التطوعية ، لأنه لا يدخله الرياء ، جَمِيعُ أَعْمَالُ العباد تَظْهَرُ بِفِعْلِهَا لأَنها لَا تكون إلاَّ بالحركات فيُمْكِنُ أن يَدْخُلَهَا الرِّيَاءُ إلاَّ الصَّوْم فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تخفى على النَّاس، ولذا الصَّوْمُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ - أحد من الخلق - بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ – إلاَّ إذا أخبر عن نفسه ، فَدُخُولُ الرِّيَاءِ فِي الصَّوْمِ إِنَّمَا يَقَعُ مِنْ جِهَةِ الْإِخْبَارِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ الرِّيَاءَ قَدْ يَدْخُلُهَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهَا - لأنَّ حَالَ الْمُمْسِكِ شِبَعًا مِثْلُ حَالِ الْمُمْسِكِ تَقَرُّبًا فِي الصُّو