31 أكتوبر 2025

تسجيل

الغباء الاصطناعي وإمكاناته الخارقة

12 يوليو 2023

يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه محاكاة لعمليات الذكاء البشري بواسطة آلات وبرمجيات متطورة، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عنه وعن أثره المتوقع على نمط حياتنا والدور المحوري الذي سيلعبه في تشكيل مستقبلنا، لا شك أن الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت التقنية وبوتيرةٍ أسرع بكثير مما شهدناه منذ مطلع القرن العشرين. ولكن هل ممكن للآلة أن تتصنع الغباء في بعض المواقف؟ وهل نحتاج لتصنع الغباء أصلًا؟ الجواب نعم، نحن بحاجة للغباء الاصطناعي في بعض المواقف حتى نتغلب على الكثير من التحديات والصدامات المحتملة، وتلك المهارة لا يجيدها ولن يجيدها أحد إلا الإنسان متى شاء وكيفما شاء، وهي من مكارم الأخلاق وعلو المكانة كما قال المتنبي: ليس الغبي بسيّدٍ في قومهِ … لكنّ سيّد قومه المتغابي لذلك فإن التغابي مهارة لا يتقنها إلا القادة والأذكياء، فتجدهم يتجاهلون كلمة سيئة قيلت بغير حساب فلا يضطرون للرد على من قالها، فيتجنبون بذلك الانحدار إلى سفاسف الأمور التي قد تنقص من قدرهم اكثر بكثير من أي مكسب محتمل، كما أنهم يغضون الطرف عن المواقف السلبية التي قد يتخذها البعض في موضوع ما تجنبًا للدخول في مواجهات مباشرة وغير منضبطة، فيكسبون بذلك احترام الجميع وتكون لديهم فرصة أكبر لحل المشكلات ومواجهة التحديات في الجولة القادمة، وهكذا يتصنعون الغباء في اللقاءات الاجتماعية المختلفة، فعندما ترسل إليهم رسائل شفهية لا يرغبون فيها فإنك لا تجد لها صدى على تعابير وجوههم وكأنهم لم يفهموا الرسالة أو كأنّهم ليسوا المعنيين بها. ولن نبالغ إذا ما قلنا إن الغباء الاصطناعي هو سيد مهارات الذكاء الاحتماعي، عليك فقط أن تتخيل كم يحتاج لهذه المهارة الساسة والدبلوماسيون والمفاوضون لمواجهة المواقف المعقدة والحساسة، فخلف ستار التغافل يتم التعامل بجدية مع الرسائل المباشرة وغير المباشرة دون تنبيه الآخر بدرجة أهميتها لدى المتلقي. ولا يقل عن تلك الأهمية تغافل المعلم عن ملاحظة بعض تصرفات الطلاب حتى يكسب الوقت الكافي لتمرير الرسالة المناسبة لهم في الوقت المناسب، ولك أن تتخيل النتيجة أيضًا لو طبق زملاء العمل تلك المهارة وتغافلوا عن هفوات بعضهم البعض أو عن مضايقات العملاء وتصنعوا الغباء من أجل المصلحة العامة، فضلًا عن راحة البال. أما الأزواج فهم بلا شك في أمس الحاجة لتصنع الغباء أو التغافل في بعض المواقف للحفاظ على بناء الأسرة وتماسكها، فالتركيز في كل شاردة وواردة، ليس محمود العواقب، وكثرة العتاب من مؤشرات الغباء وليس التغابي، كما يقال إن كثرة العتاب تفرق الأحباب. فهل يستطيع أي مبرمج ذكاء اصطناعي على وجه الأرض أن ينتج للبشرية تطبيق غباء اصطناعي بهذه الإمكانيات الخارقة التي منحنا إياها الخالق؟