26 أكتوبر 2025

تسجيل

المتقاعدون وبدل السكن

12 يوليو 2020

عندما تدخل أي مجلس من مجالس أهل قطر ستسمع شكاوي المتقاعدين عما يكابدونه من مشقات المعيشة، ويتصدر شكاويهم بدل السكن الذي أخذ ممن أفنوا حياتهم في خدمة الوطن والمواطن. إن بدل طبيعة السكن هو أمر جوهري لا يمكن للمتقاعدين التجاوز عنه لأنه من الأمور المهمة التي يستفيد منها الموظف حيث تغطي جزءاً كبيراً من أقساط قرض الإسكان، وبعض مصروفات البيت، ولكن ما أن يحال الموظف للتقاعد يسقط عنه بدل السكن، وبه تصبح المصيبة مصيبتين، فهو يخسر من جهة البدل النقدي لمواجهة مصروفات البيت المتعاظمة بسبب الغلاء الفاحش، ومن جهة أخرى يستمر في دفع أقساط قرض البيت بفوائدها. أما المشكلة الكبرى فهي إذا كان الموظف من المستفيدين بنظام الإسكان الحكومي، فإنه يطلب منه المغادرة من مسكنه ليبحث له عن مسكن بالإيجار، وبه سيضطر إلى دفع الإيجار من معاشه الذي يستلمه بعد التقاعد. وهذا، بعبارة أخرى، عليه أن يدفع، في أحسن الحالات، ما لا يقل عن نصف الراتب. إنه ليس من المنطق أن تنزع من الموظف حقوقه التي هي حق مكتسب لما بذله من جهد متواصل طيلة فترة عمله بمجرد إحالته للتقاعد، صحيح أن قانون رقم (24) لسنة 2002م بشأن التقاعد والمعاشات عرف في المادة (1) أن الراتب الأساسي: بأنه الراتب الذي كان يتقاضاه الموظف أو العامل عند إحالته للتقاعد، المحدد بجدول الرواتب الخاضع له، ولا يشمل البدلات والمخصصات والتعويضات أيا كان نوعها، ونحن بدورنا لا نختلف مع القانون عندما حدد أن لا يشتمل الراتب الأساسي على بدل طبيعة العمل، لأن هذا البدل مرتبط بأداء العمل، ويجب أن يكون الموظف على رأس عمله حتى يستحقه، أما أن يشمل التعريف على إلغاء بدل السكن، فإني أرى أن هذا يجر نوعا من أنواع الظلم على المواطن. من حق المواطن أن تكرمه الدولة بعد السنوات الطوال من العطاء، ومن حق المواطن كما نصت عليه المادة (34) من الدستور أن تساويه مع الآخرين في الحقوق والواجبات العامة. إن هذا المتقاعد كان يسكن في منزل يضم العائلة، وهذا السكن، كما هو معروف، يتطلب مصاريف كبيرة، وكانت علاوة السكن تغطي الشيء الكبير من هذه المصاريف في ظل الغلاء التي تمر به الأسواق المحلية، وليس من المنطقي إلغاء بدل السكن بمجرد إحالة المواطن إلى التقاعد. إن علاوة السكن هي من حق المواطن الذي بذل الكثير هو وغيره لإيصال البلاد على ما هي عليه من التقدم والرقي. إنه ليس من العدل والإنصاف أن يتوقف بدل السكن مع خروج الموظف من وظيفته بالتقاعد، علماً بأن نفس المواطن يستمر في دفع قرض الإسكان الحكومي الذي لا يسقط عنه بعد التقاعد. إن تقاعد المواطن عن وظيفته لا يعني أن الالتزامات الأسرية والحياتية المختلفة قد انتهت بل زادت، لأن الموظف يخسر جزءاً ليس بيسير من راتبه، بالإضافة إلى خسرانه بدل السكن. ولهذا نجد أن هناك فجوة بين الراتب ومستحقات ما بعد التقاعد وبه تنقلب حياة المتقاعد رأساً على عقب. ولكن، ومع ذلك، نجد المتقاعد مجبرا على قبول المعاش الذي يصرف له من صندوق التقاعد، مع أنه بحاجة إلى الكثير ليقابل المصاريف المحتملة. إننا لا نطالب هيئة المعاشات والتقاعد بصرف بدل السكن للمتقاعد حتى لا ندخل في مسألة الاشتراكات المتأخرة المتعلقة ببدل السكن، وطرق تسديدها، والتي يعجز المتقاعد على الوفاء بها لقلة ذات اليد، ولكننا أرى أن تكرم الدولة هذا المواطن المتقاعد الذي عمل لديها في سنين شبابه حتى بلغ من الكبر عتياً وأحيل للتقاعد. إن كثيرا من الدول مثل السويد وفنلندا ألمانيا وغيرها، تمنح المتقاعد، وبالأخص أصحاب المعاشات المنخفضة، بدل سكن من الدولة لتعويض المواطن المتقاعد عما يكابده من غلاء المعيشة. وفي الختام نقول: إن منح الدولة بدل السكن للمتقاعدين يمثل بالنسبة لهم تكريماً معنوياً ومادياً، وفي الوقت نفسه، سيدعمهم لمواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تتفاقم يوماً بعد يوم. والله من وراء القصد،، ‏[email protected]