11 سبتمبر 2025

تسجيل

موت ستان

12 يوليو 2016

في الوقت الذي تبذل القوات العسكرية العربية والأردنية وقوى الأمن الداخلي أقصى جهودها للحفاظ على حياة المواطنين والمقيمين على أراضيها ومن باستطاعتها أن تسعفهم حول أطراف المعمورة، فإن مواطنين عربا يُقتلون خارج حدود الدولة وخارج سلطة القانون، وهناك عرب وجميعهم مسلمون، يشاركون في قتل الآخرين من المسلمين وغير المسلمين وهم أعضاء في تنظيمات إجرامية تستند على فتاوى وتفسيرات مشيخات فاقدة للأهلية نصّبت أنفسها ولاة وخلفاء غير راشدين يقاتلون بعضهم البعض باسم الإسلام، هكذا هم مسلمون يريدون من الجميع أن يتعاطف معهم وهم لا يعطفون على أحد، بل نراهم مسلمين يقتلون مسلمين، ثم يهددون الغرب وأمريكا بالموت لأنهم غزّو العراق وقتلوا المسلمين. ما جرى خلال أسبوع مضى لوحده دليل على أن الخلل فينا، أنظمة وحكومات وشعوبا لا تمتلك القدرة على تغيير مفاهيم الحياة، ولا التعامل مع الآخر، ولا قبول الآخر، وباتت "الأنا الزعامية" متلبسة بالجميع من الحكام حتى أصغر محكوم شعبي، إلا من رحم الله، فلماذا نلوم الولايات المتحدة وجيشها وإنجلترا وجيشها وقادتها السابقين، وبيننا من يفوقون تلك الجيوش جراءة على بلادهم وإخوانهم، ويقتلون بني دمهم ولحمهم ودينهم ومذهبهم ووطنهم دون سبب عظيم، بماذا يختلف هؤلاء عن مرتزقة بلاك ووتر.كان عيد الفطر موسم عزاء عربي كالعادة للكثير من العائلات العربية، بعد شهر رمضان الكريم، شهر الرحمة والعفو، ولعل أبشع وأخطر الجرائم الإرهابية التي حدثت كانت في خواتيمه، حيث كان التفجير الإرهابي الإجرامي الشنيع والذي استهدف مجموعة من حراسات المسجد النبوي الشريف وأدى لمصرع عدد من أفراد الأمن السعودي ممن يقومون على خدمة حجيج المدينة، ولو استطاع المجرم الوصول إلى حرم المسجد لكانت كارثة كبرى، وقبلها جرائم بشعة لإرهابيي داعش داخل المجتمع السعوديفي المقابل وقبل حادثة الحرم النبوي، وقع تفجير أليم في حي الكرادة بالعاصمة العراقية بغداد، وهو من الأحياء الفقيرة تاريخيا، وخلّف أكثر من مائتي قتيل بين رجل وامرأة وطفل وجرح العشرات، كانوا يتسوقون قبيل العيد، وليس لهم علاقة بالقتال مع ميليشيات قاسم سليماني ولا بالجيوش المقاتلة في الفلوجة أو غيرها في بلاد "موت ستان" العربية.وهذا يطرح السؤال الممتنع جوابه، من خلف هذا الجيش من الانتحاريين المجانين والمنحرفين؟ هل تنظيم داعش الذي تبلور جهازه التنظيمي قبل سنتين فقط يمتلك القدرة الخارقة للسيطرة على عقول أولئك الشباب الذي لا يرى خلاصا لمشاكل هذه الدنيا سوى الموت أو القتل؟ هل شخص كالبغدادي لم يكن شيئا قبل أن يطلق سراحه من قبل القوات الأمريكية في العراق يمتلك السحر الشيطاني المغناطيسي ليجذب كل تلك الجنسيات في خندق واحد، وهل التنظيم يمتلك التراتبية القيادية مثل باقي جيوش العالم ودولها الراتبة؟ إطلاقا لا.قادة الإرهاب الدولي معروفون وقادة المنظمات الجهادية في العالم معروفون أيضا، ولكن الأخطر هم من لا يقودون معاركهم ضد خصومهم، حيث لم نر زعيما لهم قتل خلال معركة أو تفجير انتحاري ضد عدو، فابن لادن بقي خلال ربع قرن يتجول من أفغانستان إلى البلقان فإفريقيا ثم باكستان ولم يظهر في أي معركة، حتى قتل على يد مجموعة أمريكية خاصة وهو في منزله نائما، وكذلك أبو مصعب الزرقاوي الذي أسس لعمليات قتل المدنيين وخلّف نواة داعش المرتبطة خارجيا، كان قتل إثر عملية خاصة للاستخبارات الأردنية والقوات الأمريكية، أنهت فيما بعد خطر التنظيم لعدة سنوات، قبل أن ترعاه قوى كبرى.في التاريخ الإسلامي، عندما كانت المعارك تقع للدفاع عن شريعة الله وعن أرواح الناس ودحر الأعداء من المقاتلين وترسيخ العدل، كان القادة في مقدمة جيوشهم، وعلى الأرض الأردنية والفلسطينية ترجل الآلاف من أولئك الأشراف من المؤمنين، فمؤتة تضم أضرحة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وهم بالترتيب قادة الجيش، وقتل معهم تسعة آخرون، في جيش تعداده ثلاثة آلاف، حفظ جميعهم وصية النبي الأعظم لهم وهي: (اغزوا بسم الله وفي سبيل الله، من كفر بـالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا طفلا ولا امرأة، ولا كبيرًا فانيًا، ولا منعزلًا بصومعة، ولا تقطعوا نخلًا ولا شجرة، ولا تهدموا بناء). اليوم يختبئ قادة الإجرام ويطلقون ذئابهم الصغيرة لتنهش في أرواح الآمنين، وتقاتل عصاباتهم بعضها، فما الذي ينتظرونه، أن يموت البشر جميعهم ويبقون هم يحكمون التراب؟ أم ينزل الله جنةً عليهم وأيديهم وقلوبهم ملطخة بدماء الناس، أولئك الذين لا يقيمون وزنا لشهر رمضان ولا ليوم العيد ولا لحرمة الطفل والمرأة والمسالم ودور العبادة، يجب أن يجتثوا من الأرض، وعلى من يقف وراءهم أن يوُقف وأن يحاسب، إذا بقي عدل في هذا الكون المتآمر على المسلمين.بات واجبا على شبابنا أن يفكر ويسأل: لماذا لا يفجر قادة داعش أنفسهم، ولماذا لا يذهب من يحرضونهم ليقاتلوا هم؟ إنهم يراهنون على عنفوان الشباب ومحدودية تفكيرهم، فليحذروا ويكونوا ممن يحييون الأرض لا ممن يفسدونها، فأولئك العجائز لا يصلحون لحكم بلادكم وليسوا أهلا للنصيحة، فقد حولوا بلاد العرب إلى"موت ستان"، وبالعلم والعمل يستطيع الشباب إحياء بلادهم والنهوض بها، آمن من آمن، وكفر من كفر، فعدونا جيوش الاحتلال، التي عجز الكبار عن دحرها، فوقعنا جميعا في فخ التاريخ الأسود، وإن لم تتغير مفاهيم التفكير، سيطول الزمن حتى نمسح سواد بلادنا، ونلحق بركب العالم المحكوم بالعدل دون إسلام ولا حكم شريعة.