15 سبتمبر 2025
تسجيلإن من أثر المذاهب المادية في عصرنا الحاضر أن تغيرت القيم الخلقية تغيراً كبيراً حتى أصبحت الفضائل النفسية – عند كثير من الناس – عبثاً لا ضرورة له، بل ينبغي الخلاص منه وترك النفوس تسترسل مع هواها دون معاناة لكبته.وفي الإسلام ومن يدين بدين التوحيد ليس الأمر هكذا بل لابد – كي تتم رسالة الإنسان في هذه الحياة- من احترام ملكاته وإقرار شهواته وترك رغائبه الطبيعية تناسب وفق مقتضيات الفطرة السليمة، وتهيئة الجو الخاص والعام – الأسرة والمجتمع- كي يسلم الكيان كله من العاهات العارضة والسدود العائقة ولا يعني ذلك إقراراً لفوضى الشهوات وتركها تناسب كما تشاء وإنما نقول إن الحياة على ظهر هذه الأرض لا تتصل مواكبها ولا يطرد نشاطها، ولا يرتفع مستواها وتزدهر حضارتها إلا بوقود من هذه الشهوات المتقدة.هل اتساع العمران وأطراد مسيره إلا آثار لجملة من الطبائع المستترة وراء نشاط الناس وأحلامهم ثم هل ترى أن بقاء الجنس البشري مكفول بشيء آخر وراء هذه الغريزة المستترة في الذكر والأنثى؟إن الشهوة الجنسية لابد وأن تتحرك فإذا لم تتح لها الحركة الطبيعية لم يبق غير الحركة الخبيثة ، والعصمة الدائمة أو المؤقتة عند بعض الفضلاء من الجنسين لا يصح الالتفات إليها عندما يراد بتشريع يحفظ عفاف الأمة وصيانة قوى الشباب المادية والأدبية والعقلية.فإذا أردنا بالصياح المختنق الذي يرسله رجال الأخلاق بين الحين والآخر قمع الحركات الخبيثة للشهوة الجنسية، فيجب أن نبحث عن علتها من أصلها وذلك بتيسير الاتصال بين الذكر والأنثى بالطريق الحلال وأن نعمل على وضع الحلول الصحيحة لهذه المشكلة ولن يكون ذلك إلا بإعادة النظر في فهم حقيقة الزواج والأساليب العسيرة التي ألفها المجتمع والتي تتم بها الآن.إن إتاحة الزواج للراغبين مسألة لا تقل أهمية عن ضمان الأقوات للشعوب ثم يكون للإسلام الدور في تنظيم عمل هذه الطباع، ويحسن توجيهها إلى ما خلقت له وجعلها تجري في قنواتها التي خلقت من أجلها ثم نرتقب منها الجني والثمار المبارك بنين وحفدة.هكذا يصنع الإسلام بالغرائز الإنسانية بعد تعاون التشريعات معه وبه إنه لا يقتلها لأن قتلها يعني الحكم على الحياة الإنسانية بالفناء، ولكنه يحول مجرى انطلاقها الفوضوي- الذي تسير في دربه الحضارة الغربية- إلى انسياب دقيق رفيق.فالضوابط التي يضعها الإسلام على هذه الغرائز ليست تعويقاً لوظيفتها وإنما لضمان هذه الوظيفة بإبعادها عن الشطط والسلوك الأعوج.فعندما حرم أنواعاً من اللقاء بين المرأة والرجل فقصده من التحريم صيانة الجسم وتهذيب النزوع الحيواني لا إبادة الجنس البشري.وعندما حرم الأنانية وأنواعاً من حب النفس والأثرة فليس وراء ذلك خلق إمعات ونكرات وإنما قصده أن تحيا الجماعة البشرية (لتعارفوا) وتعاونوا لا متدابرة متناكرة.وعلى هذا فكل محاولة لسحق الشهوات وتشتيت شملها وأماته نشاطها فذلك يعني عطلا في جوهر الإنسان المستخلف لعمارة الأرض وعجزه عن أداء رسالته. حاجة المسلمين إلى الحريات البناءة – في تاريخهم الأخير- أزدرت بهم وحطت من مكانتهم على حين تنعم أجناس أخر من البشر بتلك الحريات حتى أطرد سيرها في كل مجال فإذا هي تبلغ من الرفعة أوجاً يرد الطرف خاسئاً وهو حسير.إننا عندما اتصلنا بالغرب في القرنين الماضيين وشعرنا بضرورة الاقتباس منه والنقل عنه كانت طموحاتنا قاصرة وأفهامنا من الصَّغار بحيث لم نلتف إلا للتوافه والملذات.فالحرية التي أخذناها ليست هي حرية الفكر والعقل بأن نفكر ونجدّ ونكشف بل حرية ما بين الفخذين والفكين، حرية الغريزة بأن تطيش وتنزو.إن الحرية التي نريدها ليست هي الحرية التي يستطيع إنسان ما أن يلغو كيف يشاء ولا في حرية تجعل الشاب العابث قادر على العبث متى أراد، فما قيمة أمة تصرف طاقات أفرادها في تيسير الخنا وإشاعة الفحشاء ، الحرية التي نحتاج إليها في عالمنا العربي والإسلامي تعني إزالة العوائق المفتعلة من أمام الفطرة الإنسانية من أمام الطامحين والأقوياء وأن يمهد لهم الطريق وتذلل لهم الصعاب وإزالة التافهين والسفهاء ، فلا يكون لهم جاه ولا وجاهة ولا يقدس لهم حمى.الإنسان كائن عظيم حقاً غير أن عظمته ترجع إلى نسبه السماوي الروحي (ونفخت فيه من روحي) لا إلى (أني خالق بشراً من طين) النسب الأرضي المادي فالذين تغلبهم نزعة الأرض (من طين) هؤلاء يجعلون الحياة تسود بالشهوات وتسخير الإنسان للرغبات الأرضية فيشاع تدليل الطفولة في ميدان التربية كما يشاع بعد ذلك ترك الغرائز المختلفة تتلمس طريقها في الحياة دون حرج أو دون رهبة، ثم يلين التشريع أمام هذا السلوك المقتحم حتى لخصائص المجتمع لا يلوي على شيء فتغير مفاهيم الأدب وضوابط الخلق كي تتجاوب مع لون الحياة الجديدة.ومن هنا كانت السمة البارزة في عصرنا المسارعة في إشباع الهوى واسترضاء الغرائز حتى تروى، والسعي في إرواء هذه الغرائز- عن طريق الحرام- لا يزيدها إلا ضراوة ونهماً فهي تطلب المزيد دون أن تصل إلى الغاية والكفاية.إن مجتمعاً يسوده هذا الإثم سيء العاقبة تطيش فيه نوازع الفساد والأنانية، وتتولد فيه مشاعر الحسد والكراهية.إن اتباع الهوى يضرب على المجتمعات ليلاً طويلاً بارد الأنفاس بعيد طلوع الفجر. هذا النوع من المجتمع والناس محرومون حقاً من إمداد الفضل الإلهي ما بقوا على هذا النهج الزائغ بل هم معرضون حتماً لعقاب يحل بهم أو قريباً من دارهم، ما دام نداء الشهوة " يغلب نداء العقل وحب العاجلة يستعلي على حب الآجلة (فكلاً أخذنا بذنبه...)وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين