12 سبتمبر 2025
تسجيلسيذكر التاريخ يوم 30 يونيو الماضي، باعتباره حدثا فريدا في التاريخ . سواء أخذنا برأي من سماها ثورة، إذ هي الحالة الأولى في التاريخ التي تنجح فيها جموع شعبية في إنجاز أهدافها جراء يوم واحد أو نصف يوم من التظاهر، أو إذا أخذنا بفكرة أنها انقلاب، إذ أجهزة الدولة المصرية انصاعت جميعها بلا مقاومة، كما جرت تغطية هذا الانقلاب من قبل قوى سياسية، كانت قد شاركت في الثورة الأصل، ثورة 25 يناير!. والأهم والأغرب أن المشهد الذي احتشد لينتج حالة 30 يونيو لم يصمد طويلا، إذ سرعان ما بدا الذين شاركوا في صناعة المشهد السياسي في الاختلاف فيما بينهم، وهو ما بات يفتح أفقا جديدا مختلفا عما بدأت به تلك الحالة، وبذات السرعة التي جرت بها، والأغلب أنها حالة جديدة تأتي على عكس ما توقع الذين رتبوا وحشدوا للحدث من قبل . لقد جرى ترتيب المشهد للوصول إلى لحظة 30 يونيو، فاحتشد الليبراليون والقوميون ومختلف التيارات وإلى جوارهم أنصار النظام السابق، ودعمت القوات المسلحة الحشود الشعبية التي احتشدت . لكن الجمهور العام الذي احتشد اكتفى بيوم 30 يونيو ولم يعد يحتشد، رغم دعوات من حشدوه للنزول "دفاعا عن الثورة" حين احتشد أنصار الرئيس المنتخب د.محمد مرسى. وشيخ الأزهر الذي لعب وجوده دورا مهما بحضوره في تشكيل مظلة وغطاء لخريطة الطريق التي أعلنت في 3 يوليو سرعان ما وجد نفسه في مأزق بعد أحداث القتل التي جرت أمام مقر الحرس الجمهوري . وحزب النور الذي حضر في ذات يوم حضور شيخ الأزهر وجد نفسه في وضع الرافض والمنعزل عن ما يجرى، فطور موقفه من الاعتراض على تعيين د.البرادعي رئيسا للوزراء إلى رفض خارطة الطريق بعد صدور الإعلان الدستوري . وهكذا جرى الحال من قبل التيار الشعبي وحركة تمرد وتنسيقية 30 يونيو وبعض من قيادات جبهة الإنقاذ، التي تحدثت جميعها بالاعتراض بطريقة أو بأخرى على الإعلان الدستوري. هنا يمكن القول بأن المشهد السياسي الذي جاءت على أساسه أحداث 30 يونيو، قد بدأ في التغيير على نحو متسارع، وأن هيكل الحكم من الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء بات يجد نفسه في بداية حالة عزلة سياسية خطرة، إذ هو يواجه صراعا مع شرعية الرئيس المعزول. وفى الجانب الآخر فإن من رفضوا 30 يونيو وخريطة الطريق والإعلان الدستوري ووصفوا ما جرى كله بالانقلاب وعدم الشرعية، وقد جدوا قوة متصاعدة لموقفهم وتماسكهم أيضا، بما يجعل منهم محورا قد يستطيع جذب قوى متزايدة من الطرف الآخر. لقد بدأت سلطة ما بعد 30 يونيو بإجراءات إغلاق القنوات الفضائية وبعض الصحف المعبرة عن الاتجاه الإسلامي، كما أصدرت قرارات بالحبس ضد قيادات ورموز من مختلف التيارات الإسلامية حتى وصل الأمر إلى طلب القبض على المرشد العام للإخوان المسلمين فضلا عن رموز حزب الوسط والجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية. وهي من قبل عطلت العمل بالدستور المستفتى عليه من الشعب وأقصت الرئيس المنتخب عن ممارسة صلاحياته الدستورية، ثم جاءت أحداث المقتلة أمام الحرس الجمهوري لتحدث اختلالا في موازنات الحكم والمعارضة في النظام الجديد، وعلى صعيد القوى الديمقراطية التي بدأت تشعر بالقلق من الردة عن الحريات ..إلخ. لقد انفتحت الأبواب الآن أمام تحالفات جديدة، ويمكن القول بأن الأمور ارتبكت، بما يفتح الطريق مرة أخرى لتغييرات في المشهد السياسي المصري، مستندا لاستمرار اعتصام المعتصمين وصمودهم الذي يشكل قوة دافعة لتفعيل التغيير في المشهد السياسي، الذي تبدو أن أول عناوينه قد ظهرت الآن في الأحاديث المتناثرة حول مبادرات للخروج من المأزق "الجديد".