10 سبتمبر 2025
تسجيلهل آن الأوان لتأميم التعليم العالي في قطر والحملة الشرسة تتمادى على بعض الشراكات الدولية الرصينة من جامعات مؤسسة قطر؟ جامعات وصل الحال بحملتها التضليلية إلى تفحص ملفات لا علاقة لها إلا بالعلم ومدفوعاته ندرك نحن أن وراء الأكمة ما وراءها ليس من قبيل الراعي الرسمي للحملات الدعائية الحاليّة لمصلحة معروفة من عمر القضية العربية الفلسطينية فحسب، بل حتى من قبل البديل المنتظر الذي يسعى لتقليد قطر والسعي بعدها بثلاثة عقود لاحتضان مشروع تعليمي عالي شبيه وكأن سياساتها تذكّرت صدفة أن هناك شيئا ما يسمى الدبلوماساية التعليمية الذي يعتمد على الشراكات العلميّة حين عجزت وقتها عنه، حيث هرعت بعضها في اتجاه آخر ونجحت في تحقيق السبق في تكوين مدن إما راقصة أو مخمورة أو مطبّعة. أما آن الأوان؟ وقطر تفخر بمدينة تعليمية أسست برامجها على أعلى المعايير العلمية الدولية والأخلاقية في ظل الإبداع والابتكار الذاتي، فضلا عن الشراكات العلمية من خلال التعاون الدولي والانفتاح على العالم. التأميم الذي نعنيه ليس في مجال المنخرطين فيه ولا مقدميه ولا شراكاته ونحن نؤمن بأن الحكمة ضالة المؤمن والشراكات العلمية مهمّة ولكننا نعني تأميم استثماراته فتنطلق بجذوره الراسخة نحو العالمية بأسرها في توأمة لجامعات لا قصا ولصقا باستيراد حرفي مطلق، بل بتأسيس جامعاتنا بأنفسنا في فسيفساء متداخلة مترابطة تأخذ من كل العلوم والعلماء وبيوت العلم من منطلق خذ الحكمة من أي وعاء خرجت خصوصا بعد التجربة الغنيّة ونجاح مؤسسة قطر ولربع قرن في عدّة أمور: أولها: بداية التأسيس المحلي النابض المتمثّل في نجاح سمو الشيخة موزا بنت ناصر باقتدار في تكوين بوتقة أصيلة للتعليم في جذر المدارس في التعليم الأساسي للمؤسسة قبل مرحلة التعليم العالي. وثانيها: نجاحها ومؤسسة قطر في تكوين نموذج متفرّد لجامعات التعليم العالي والمتمثّل في المنارة الرائدة في كلية الدراسات الإسلامية التي شكّلت نسخة فريدة لدولة قطر تأسست بعقول عربية ومسلمة من مختلف أقطار العالم. ثالثها: نجاحها في إعداد المظلّة الجامعية العليا الكبرى جامعة حمد بن خليفة التي لم تقتصر على الكليّات الرائدة في مجالها فحسب بل أبدعت في تأسيس مراكز نوعيّة للبحوث وفق رؤية مستقبليّة دولية ثاقبة لعِلْمٍ مستحق واسم على مسمّى حمل اسم عَلَمٍ مستحق هو (حمد بن خليفة) سمو الأمير الوالد الرائد المتقد السابق لعصره وزمانه الذي اعتنى بالاستثمار البشري وهو أعلى درجات الاستثمار الذي كان ركيزة رؤية قطر الأولى. رابعها: حصافة الاقتداء والتأسي منذ ما يزيد على عقدين بنجاح مؤسسة قطر في استقطاب أعلى مراكز التعليم تصنيفا من تلك الجامعات المعروفة والمرموقة عالميا في تخصصاتها والمهمة من جامعات إسلاميّة أيضا بالإضافة إلى تلك الجامعات الغربية أو الأمريكيّة المهمّة في ما يعرف بالتبادل والتلاقح الفكري والحضاري وهي ما تساوم عليه راعية حملات التضليل في تسييس التعليم والبحوث. وأخيرا: نجاح الاستقطاب الفكري والاستثمار الذاتي المحلي القطري في أبناء قطر من الخريجين من حملة الشهادات العليا من المدينة وإليها وكذلك من منارات علمية أخرى سواء كانت في قطر أو خارجها والذي جعل قطر منبعا ومصبّا للنخب الفكرية القطرية والمواطنة العربية والمسلمة والغربية ومن كلّ الجنسيّات والثقافات. وهنا أصل إلى الجزء الأخير من العنوان الذي قدمته في مقالين سابقا: «حملة الجامعات والإشعاع الفكري المضادّ» فهل ستعجزنا الحملات التضليلية؟ لا لم ولن تعجزنا... وربما قد آن الأوان لإعلان نموذجنا المتفرّد من المدينة التعليميّة للتعليم العالي في قطر وبكلّ أطيافها من الكليّات والجامعات ومراكز البحوث التي تأسست باقتدار في مؤسسة قطر فشكّلت إشعاعا حضاريا وبوتقة لم تنصهر فيها كل العلوم من كل الثقافات وفي كل المجالات فحسب بل شهدت محفلا علميا وفكريا لأهل العقول من أساتذة وعلماء ونخب فكرية وممتهنين وكوادر تعليمية وإدارية وفوق ذلك خريجين وطلاب قطريين وغير قطريين مقيمين وملتحقين من الخارج متفوقين ومحبين وممتنين لمحضن علّمهم في بيئة إيجابية حققت لهم تعليما نوعيا وشهادات بمعايير عالمية وأخلاقيات مهنيّة دون انحياز. ربما آن لها الأوان لأن تكون تحت مظلة جامعة حمد بن خليفة بقوتها ومعاييرها ومكانتها العلمية والتي خطفت فيها قطر الأبصار، وشكّلت وستشكل فيها كما نراها الآن ونستشرفها مستقبلا حاضرة إسلامية رائدة ونموذجا شبيها بما قدمته الحضارة الإسلامية في عصر الخلافة العباسية في عهد المأمون والرشيد والتي جعلت من مدينة قطر التعليمية «دار الحكمة» وهي تؤسس لها وتعلم سلفا أن الحكمة ضالة المؤمن سواء أتت من الغرب أو من الشرق خصوصا وأن رؤية قطر وسياساتها تنبع من حكومة تؤمن بأن العالم الإسلامي هو حاضرة الثقافة والعلم والإشعاع الحضاري الذي أمد أوروبا والغرب بالحضارة في عصر كانت تعج فيه في الظلمات والذي لولا هذا الانتقال والتمازج والتلاقح لما كان له امتداد وإشعاع. ولن نلام إذا اتَّقدت فينا مفخرة استشرافية وتفاؤلية ترى قطر أندلس الشرق في العصر الحديث وعودة وإحياء لروح الرازي والزهراوي وابن الهيثم وابن النفيس والخوارزمي مجددا لتؤسس من مراجعهم ومرجعيتهم الفكريّة مجدا على مجد وربما من أسمائهم أسماء لجامعات تخصصية تحت مظلة حمد بن خليفة في أرض تشكّل صحوة فكريّة للأندلس العربيّة الإسلامية واجتماعا للعلم والعلماء والنخب ودور الحكمة في قطر ذلك البلد الصغير العظيم الذي ينطبق على أندلسه ما صدح به الشاعر العربي السوري محمد صالح عنوانا لديوانه الشعري الجديد الذي دشنه الشهر الماضي في معرض الكتاب: «أمويّ عائد إلى مضر؟» وللّه درّ بني أميّة ومضر وسائر النخب إذا اجتمعوا...