11 سبتمبر 2025
تسجيليهتم منظرو الإدارة الحديثة بوضع القواعد والأصول الراسخة لفن الإدارة، ومن أشهر أولئك الكاتب والمؤلف الأمريكي ستيفن كوفي، والذي اشتهر بكتابه العادات السبع، إحدى تلك القواعد الإدارية التي تحدث عنها في كتابه هي قاعدة «لبدأ بالأهم قبل المهم»، وللعلم فإن تلك القاعدة الإدارية موجودة في شريعتنا منذ أكثر من 1400 سنة تحت ما يسمى بـ «فقه الأولويات»، لم تغفل الشريعة المحمدية شؤون الدنيا، بل وضعت منهجًا مؤصلًا في كل مجالات الحياة عرفه من عرفه وجهله من جهله، ففقه الأولويات في شريعتنا الإسلامية، ويعرّف أيضًا بفقه مراتب الأعمال، وهو المفاضلة بين الأعمال من حيث أيها أولى بالتقديم على الآخر، ويُعَرَّفْ فقه الأولويات كذلك بأنه «معرفة ما هو أجدر من غيره في التطبيق»، ومثال على ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها»، قال: قلت: ثمّ أي؟ قال: «برّ الوالدين»، قلت: ثمّ أي: قال: «الجهاد في سبيل الله» رواه البخاري. لقد بيَّن لنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منهج الإسلام في ترتيب الأولويات، فبين تقديم الأهم فالمهم فقال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى أهل اليمن، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)). ونجد في سلسلة «توحيد المفاهيم» للعالم الكبير الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رحمه الله تعالى، وفي الكتاب الخامس الذي جاء بعنوان «فقه الأولويات في ضوء القرآن والسنة»، وهو كتاب من عدة فصول، وقد بين في فصله الأول أهمية فقه الأولويات، وفي الفصل الثاني تحدث عن الأولويات في مجال المأمورات كأولوية الأصول على الفروع، وأولوية الفرائض على السنن والنوافل، وأولوية الولاء للجماعة والأمة على القبيلة والفرد، وكان الفصل الثالث بعنوان الأولويات في مجال الإصلاح وقد تضمن أولوية تغيير الأنفس قبل تغيير الواقع، وأولوية التربية قبل الجهاد... وهكذا. لا شك أن الدكتور ستيفن كوفي أبدع في كتابه العادات السبع عندما وضعها في إطار عملي منظم وسهل الفهم، ولكن ألا ينبغي علينا ونحن نمتلك ذلك الإرث الحضاري أن نكون نحن المبادرين في استنباط وتأطير تلك العلوم والمفاهيم.