11 سبتمبر 2025

تسجيل

خنساء مخيم نور الشمس

12 يونيو 2024

المكان.. مخيم نور الشمس أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في محافظة طولكرم، تأسس عام 1951م بعد مرور ثلاث سنوات على نكبة فلسطين عام 1948م. الزمان.. لا يهم، فالمشهد يتكرر وتعيشه الأمهات الفلسطينيات في كل دقيقة يحيينها وفلذات أكبادهن يجاهدون ليكونوا حُماة الدار، وحُماة مقدسات أمَّة بـأكملها، يحملون أرواحهم على راحاتهم، حفاة عُراة يستبسلون في الدفاع عن وطنٍ كُتبَ له أن يكون محتلاً لكنهم عاهدوا الله فيه هم وأسلافهم أن لا يكون مدنساً يوماً ولو كان الثمن دماءهم الزكية. قد تأتي هذه المقدمة بعد أن شاهدت فيديو مصوراً بثته إحدى المنصات الإخبارية لخنساء مخيم نور الشمس، التي كانت تتحدث بكل رباطة جأش وبصبر قلَّ في هذا الزمان، فالصبر آية من آيات الإيمان.. لا يملكه إلا من وثق وصدق بالله، فأم الشهداء أمينة غنّام أو "خنساء مخيم نور الشمس" كان لسان حالها يسرد واقع مئات الآلاف من الأمهات الفلسطينيات اللاتي يعلمنَّ أنَّ فلذات أكبادهن منذ ولادتهم هم مشاريع شهداء حتى تُعلَنْ فلسطين دولة محررة وعاصمتها القدس الشريف دون تجزئة ولا مناصفة مع المغتصب، فأمينة غنّام ودعت ولدين من أبنائها شهيدين (محمود وسليم) في الاجتياح الأخير لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي استهدف مخيم نور الشمس منفذاً عملية أدت لمقتل شخص، قبل تنفيذ عملية واسعة استمرت لثلاثة أيام في 18 أبريل من العام الجاري، وأسفرت عن مقتل 14 شخصاً وفق وزارة الصحة الفلسطينية، ويعد مخيم نور الشمس من المخيمات الشاهدة على العديد من الاشتباكات وأعمال العنف، أبرزها خلال ما يسمى بـ "عملية السور الواقي" التي أطلقتها إسرائيل ضد مسلحين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة عام 2000، ووفق وسائل إعلامية فلسطينية محلية، كانت العملية العسكرية الأخيرة في المخيم هي "الأعنف والأشد" منذ عام 2000، وبالعودة إلى خنساء مخيم نور الشمس وعند التفحص في تفاصيل وجهها يُلِّح عليك سؤال كيف لهذه الأم أن تتحدث بكل هذا الصبر؟ وبكل هذا الثبات؟ وهي تروي قصة استشهاد نجليها الشابين، وكيف استطاعت أن تودعهما الوداع الأخير متوشحة بكوفية أحد نجليها وكانت مخضبة بدمه الزكي حينما سقط شهيدا خلال مواجهته لجيش العدو، قائلة باللهجة المحلية "أولادي فدا فلسطين"، ففي هذا الموقف الذي تعتقد بأنَّ لك من القوة على تعزية هذه الأم، لتجد نفسك صغيراً أمام عِظم صنيعها، وأمام إيمانها بأنَّ ما عند الله أبقى، متمنياً وهي تتحدث أن تبكي أو أن تذرف دمعة واحدة لتشاطرها حزنها المتوقد بكل تأكيد في صدرها ففي نهاية الأمر هي أم، إلا أنَّ دموعها المتجمدة في كلتا مقلتيها تُدين دمعك المنهمر على وجنتيك وتدين صوتك المتحشرج العالق بين صدرك وحنجرتك الباحث في معاجم اللغة عن عبارة مواساة واحدة تليق بالحدث، لتهرب الأحرف من على لسانك ولسان حالها يقول "لا كلمات تواسي فاجعة كهذه". فهذا المشهد يطفو على السطح من بين مئات المشاهد التي لا نعلم عنها ولا تنقلها لنا وسائل الإعلام عن أمهات فلسطين اللاتي لا يقلَّ دورهن في الحروب عن من يجاهدون ويواجهون العدو على الجبهات، لكن لابد الإشارة إلى أنَّ هناك عددا من الأمهات الفلسطينيات اللاتي استشهدن ومنهن من اعتقلن ووضعن أحمالهن في سجون الاحتلال ومنهن من عُذبنَّ، للتأكيد أنَّ المرأة الفلسطينية بكل مواقعها الحياتية فهي مجاهدة من نوع آخر، فالأم الفلسطينية مربية لأجيال دافعت ولا تزال عن فلسطين، وحملت على عاتقها تنشئة جيل التحرير، بما يتلاءم مع متطلبات كل مرحلة، وتحملت مشاق الحياة من تربية الأولاد ورعايتهم، خاصة إذا كان الزوج معتقلاً أو شهيداً.