10 سبتمبر 2025
تسجيلمما لا شك فيه أن التميز والتفرد والوصول إلى معالي الأمور وكمالها، صفة إيجابية يسعى إليها الإنسان ذو الهمة العالية والفطرة السليمة. قال رسول ﷺ: «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها». ومعالي الأمور، هي الأمور الجليلة والعظيمة التي ترفع من شأن صاحبها في الدنيا والآخرة. أما سفساف الأمور، فهي تلك الأمور الدنيئة والحقيرة التي تحط من شأن صاحبها. لذلك نجد أن المنهج الإسلامي يركز على المثالية التي تتسم بالواقعية التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع. أما المثالية الخيالية فهي تلك المثالية التي لا يمكن الوصول إليها ويعجز الإنسان عن تطبيقها على أرض الواقع، وصاحبها يسعى دائمًا إلى الكمال في جميع جوانب الحياة. وهذه مثالية سلبية تسبب القلق والتوتر وعدم الإنجاز. وهي هدف صعب المنال، وعملية مرهقة، وغير صحية للإنسان. وهذه المثالية هي التي تهلك الطالب تفكيراً في دراسته، والزوجة في إرضاء زوجها، والموظف في عمله للوصول لدرجة الكمال والمثالية ولكنه يجد نفسه في غياهب الاحتراق النفسي. فالشخص المثالي لا يرضى دائمًا بالنجاح ويسعى للكمال الذي لا حدود له، لذلك يعاني من القلق والخوف الشديد من عدم الوصول لهذه النتيجة ولن يصل إليها. وقد يتطور الأمر معه إلى ترك الشيء كلية، أو تأخره لعجزه عن الوصل إلى الكمال. فهناك أشخاص كثيرون يؤجلون مشاريعهم انتظارًا لظروف تكون أفضل مما هم عليه وبالتالي تتأخر أعمالهم في انتظار ساعة الصفر والظروف المثالية. فقد يريد شخص أن يكتب كتابًا مثلًا ولكنه ينتظر الفرصة التي يكون فيها ملمًا بالمعلومات كلها. وقد تجد شخصًا يظل في رسالة الدكتوراه لمدة عشر سنوات سعيًا وراء المثالية. لذلك يقول أحد الكتاب: «تعلم ألا تكون مثاليًا». وعلى مستوى العلاقات الشخصية قد يبالغ الإنسان ويتكلف في معاملته مع الآخرين، فيبالغ في كلامه وملابسه ويتكلف في جميع أمور حياته لكي يظهر أمام الآخرين بصورة مثالية وقد يبالغ الشخص في ارضاء الآخرين مقابل اهلاك نفسه شغلاً ومداهنة ومداراة مرهقة. ولا يدري هذا الشخص أن إرضاء الناس غاية لا تدرك. فيظل هكذا في دائرة مفرغة لا نهاية لها. فكن متسامحًا مع نفسك وهدئ من روعك ولا تقلق لعدم بلوغك النتيجة التي ترنو إليها، وتعلم من تجاربك. فالتوازن بين المثالية والواقعية هو مفتاح السعادة والنجاح.