23 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أن الفصل في الدعاوى القضائية اختصاص أصيل لهيئة المحكمة التي يكون لها القرار الأول والأخير في تحديد مسار القضية بناء على مراجعة المستندات المقدمة إليها، وبعد التحقيق مع أطراف الدعوى بصورة تتكون معها قناعتها الكافية بالقرار الذي سيتم اتخاذه، لكن القضاة رغم المعايير والشروط المفترضة فيهم من كفاءة قانونية وخبرة مهنية عالية إلا أنه يصعب أن تتوفر فيهم المعرفة الدقيقة ببعض الأمور الفنية التي تعترضهم أثناء الفصل في الدعاوى المنظورة من قبلهم، وفي المقابل يحظر عليهم رفض البت في الدعاوى المعروضة عليهم رغم اقترانها بأمر يحتاج معرفة فنية أكثر من المعرفة القانونية. لأجل ذلك شرع القانون القطري في المواد من 333 إلى 361 من قانون المرافعات المدنية والتجارية قواعد تسمح للهيئة القضائية أثناء نظر دعوى استعصت عليها بعض جوانبها بشأن الأمور الفنية أن تأمر بندب خبير متخصص في الجزئية الفنية التي تخرج عن نطاق المعرفة القانونية من أجل إعداد تقرير مفصل يوضح للمحكمة تلك المسألة من أجل تكون قناعة الحكم دون غموض أو لبس. فإذا رأت المحكمة أن الدعوى المعروضة عليها تستلزم الاستئناس برأي متخصص قضت بواسطة حكم تمهيدي وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير للقيام بمأمورية محددة النطاق وأمرته بتقديم تقرير فيها من أجل الاطلاع والتعويل عليه في إصدار الحكم وهي على بينة بكل جوانب الدعوى سواء القانونية أو الفنية. وبالرجوع لقانون المرافعات المدنية والتجارية نجده قد حدد الإجراءات والقواعد التي يجب التقيد بها من قبل الخبراء عند ندبهم في قضية معينة، فإذا عهد القاضي لخبير بتقديم تقرير فني في جزئية معينة حدد ضمن الحكم التمهيدي نطاق مهامه التي لا يجوز له تجاوزها بأي حال من الأحوال، ويحدد كذلك الأمانة الواجب سداده مقابل الجهد الذي سوف يبذله، والتي يكون أحد الأطراف أو جميعهم ملزمين بسدادها، وحسب المادة 344 من القانون المذكور يكون الخبراء ملزمين بتحديد موعد بدء مأموريتهم بمجرد إعلانهم من المحكمة بقرار الندب، بشرط ألا يتجاوز ذلك الموعد خمسة عشر يوما من تاريخ الإعلان، وعليهم أن يجتمعوا بالخصوم، ويشعروهم بذلك بواسطة كتب مسجلة ترسل قبل سبعة أيام من الموعد المحدد، وأن تتم مناقشتهم في جميع النقاط التي تخص موضوع المأمورية والتي لا تخرج عن النطاق المحدد بموجب الحكم التمهيدي، كما يمكن للخبراء سماع أقوال أي شخص مفيد في إنجاز المأمورية، بشرط أن يتم تضمين ذلك بمحضر أعمال يوقع عليه كل من تم الاستماع لإفادته. وإذا أنهى الخبير مأموريته بالشكل المنصوص عليه وفق القانون وحسب منطوق الحكم التمهيدي وجب أن يودع تقريره النهائي بقلم كتاب المحكمة، علما أن تقريره يقتصر فقط على رأيه بشأن الجوانب الفنية، ولا يجوز له تجاوز دوره والتدخل في أمور قانونية تعتبر اختصاصا أصيلا للمحكمة. إن استئناس المحكمة بتقارير الخبراء لا يعني أن رأيهم هو الذي يحدد المسار الذي ستتخذه القضية أو أن المحكمة ملزمة أن تحكم بناء على ما ورد ضمن التقرير، بل تبقى للهيئة القضائية السلطة التقديرية في الأخذ بنتيجة التقرير أم لا بشرط أن تورد في حكمها الأسباب القانونية التي استندت إليها في عدم اعتماد تقرير الخبير.