18 سبتمبر 2025

تسجيل

أثر الركود التضخمي العالمي على الخليج

12 يونيو 2023

«رغم أن دول الخليج نجحت إلى حد كبير في تجنب الركود التضخمي الذي شهدته معظم دول العالم، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم يفرضان مشاكل لبعض الشركات والأسر التي تتوقع استجابة حكومية لحل هذه الأزمات». من المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي في دولة قطر إلى أقل بقليل من 3٪ هذا العام، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، بينما يبلغ معدل التضخم 5٪، وهي نسبة أعلى مما يرغب صانعو السياسات في رؤيتها ولكنها أقل من النسب المسجلة في كثير من دول العالم. ولن تتسبب هذه البيانات في إثارة مشاعر القلق في معظم العواصم حول العالم، ولن تبدو مؤهلة للظهور بمظهر «الركود التضخمي»Stagnation. ومع ذلك، يصف هذا المصطلح الكثير من الأوضاع السائدة في عالم الاقتصاد لأول مرة منذ عقود. ويرجع أصل وصف فترة التضخم المرتفع بشدة المصحوب بنمو اقتصادي ضئيل “Stagnation” إلى خطاب ألقاه السياسي المحافظ إيان ماكلويد في البرلمان البريطاني خلال عام 1965. وقد تأثر جزء كبير من العالم بمعدلات التضخم المرتفعة التي اقتربت من 10% أو تجاوزت ذلك، مع توقف النمو. ومن أجل كبح جماح التضخم، رفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة بشكل كبير منذ العام الماضي، ولكن المشكلة لا تزال مستمرة. وقد ثبتت معدلات التضخم الحالية نظرًا لتعلق العديد من أسبابه بالاضطرابات الجيوسياسية ومشاكل سلاسل التوريد، وليس نتيجة لاقتصاد محموم في نهاية فترة الازدهار. لذلك، فإنها تبدو أقل عرضة للتأثر بارتفاع أسعار الفائدة. وفي وقت سابق من العام الحالي، كان هناك بعض التفاؤل بأن أسعار الفائدة ربما تكون قد بلغت ذروتها، لكن التضخم ظل مرتفعًا بشدة في بعض الاقتصادات الكبرى. فقد ارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي خلال شهر أبريل في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 0.4٪، وهو معدل أسرع من المتوقع. ولا يزال معدل التضخم الأساسي ثابتًا في نطاق 4-5٪، مقارنة بالهدف الذي وضعه صانعو السياسة عند نسبة 2٪. وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد أعلن عن رفع سعر الفائدة بنسبة 0.25٪ في بداية شهر مايو، مما رفع سعر الفائدة القياسي إلى 5.25٪، وهو أعلى مستوى مسجل خلال 16 عامًا، بعد ارتفاعه من ما يقرب من مستوى الصفر في مارس 2022. وقام المتداولون بتسعير ارتفاع إضافي بمقدار 25 نقطة أساس من المتوقع أن يفرضه مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ربما في شهر يونيو أو يوليو. ويتوقع المراقبون في السوق الآن مزيدًا من الارتفاعات، وهو ما يشير إلى بلوغ الذروة في وقت لاحق من العام الحالي، مع وجود تقديرات بنسبة 50% باحتمال فرض زيادة ثانية بمقدار 25 نقطة أساس في وقت لاحق من العام الحالي. وهناك الكثير من الجدل الدائر بين الاقتصاديين حول ما إذا كانت أسعار الفائدة المرتفعة ستبقى لفترة طويلة، أو ما إذا كانت تشكل مرحلة مؤقتة، وإن كانت مهمة. ولكن من شبه المؤكد أن أسعار الفائدة المرتفعة نسبيًا، بالمقارنة مع الأسعار المسجلة خلال العقد ونصف الماضي بالتأكيد، ستظل معنا لمدة عام آخر أو أكثر، مع حدوث تداعيات كبيرة على الأسر وقادة الأعمال وصانعي السياسات. وقد وصلت معدلات الرهن العقاري في الولايات المتحدة إلى 7٪، على الرغم من عدم حدوث انخفاض كبير في أسعار المساكن. وفي قطر، على الرغم من الظروف الاقتصادية الجيدة نسبيًا، بسبب أسعار النفط التي تعافت منذ انتشار الجائحة، وارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي المسال، والإدارة الاقتصادية الحكيمة، إلا أن المشاكل المتعلقة بالركود التضخمي قد أثرت على البلاد، بطريقتين على الأقل. أولاً، نظرًا لأن الريال مربوط بالدولار، فإن قطر تميل إلى اتباع الزيادة في أسعار الفائدة التي تفرضها واشنطن للحفاظ على سعر الصرف، حتى لو لم يكن هذا السعر هو الأمثل للاقتصاد القطري. وكان سعادة الشيخ بندر بن محمد بن سعود آل ثاني، محافظ مصرف قطر المركزي، قد أعاد التأكيد على استمرار ربط الريال القطري بالدولار في منتدى قطر الاقتصادي خلال شهر مايو الماضي.وخلال المنتدى، أكد سعادة محافظ مصرف قطر المركزي أيضًا على أهمية التحكم في التضخم فقال: «يُعدُ الارتفاع الكبير في معدلات التضخم عدوًا رئيسيًا للاقتصاد، ويؤثر بشكلٍ كبيرٍ على دخل الأسرة. وقد لوحظ بأن مؤشر التضخم قد انخفض، ولكننا نرى رغم ذلك بعض التحديات للوصول إلى المعدلات الطبيعية للتضخم في الوقت الحالي. وقد يحتاج التضخم العالمي إلى بعض الوقت حتى يصل إلى المستوى الذي تستهدفه البنوك المركزية.» ثانيًا، في حين أن الاقتصاد في قطر لا يتأثر إجمالاً بالركود التضخمي، فإن بعض الأسر والشركات تتأثر بذلك، فقد عانوا من ارتفاع الأسعار. وتعاني بعض الشركات والأسر من مستويات ديون عالية، ترتفع تكلفتها مع ارتفاع أسعار الفائدة، بينما أدى تضخم أسعار المنتجات الأساسية إلى تقليص الدخل القابل للصرف لدى الأفراد. وقد تم الحفاظ على النمو الاقتصادي العام، ولكن لم تستفد جميع القطاعات بشكل متساوٍ من هذا النمو. فعلى سبيل المثال، يشهد قطاعا البناء والضيافة نهاية فترة ازدهار طويلة على مدى العقد الماضي، قامت قطر خلالها بتحديث بنيتها التحتية واستضافت بطولة كأس العالم لكرة القدم. ومنذ ذلك الحين، أُقيم منتدى قطر الاقتصادي ومعارض أخرى، وهناك معرض قطر إكسبو المرتقب، بينما شجعت الحكومة السياحة، ولكن هذه المبادرات لم تكن على نفس النطاق السابق عند الاستعداد لاستضافة البطولة. ولرفع مستويات المعيشة ومنع الركود، هل هناك تدابير يمكن للحكومة اتخاذها؟ سيكون مجرد الإقدام على زيادة أجور القطاع العام الحل الأسهل، ولكن هذا الحل يعاني من عيوب رئيسية: فهو إجراء قصير الأجل، وقد يؤدي إلى المزيد من التضخم، ولا يحقق الكثير من الفوائد لتحفيز النشاط التجاري والمشاريع. وقد طُرحت إجراءات التحكم في الأسعار للنقاش في العديد من البلدان، وتناولت هذه المناقشات حقيقة أن الضغوط التضخمية الحالية هيكلية أكثر من كونها دورية، ولكن قد يكون من الصعب تنفيذها، مع إمكانية مواجهة مشاكل ذات عواقب غير مقصودة، مثل الضغط على هوامش تجار التجزئة التي تؤثر سلبًا على الأجور داخل القطاع. وفي قطر، دعمت الحكومة بعض المواد الأساسية للمواطنين القطريين، مثل الطحين، لمساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض. وهناك خيار آخر وهو الإعانات الحكومية لتعزيز قطاعات اقتصادية معينة. وإذا تم تنفيذ هذه الإعانات، يجب أن تكون استراتيجية في التركيز بحيث تهدف إلى بناء قطاعات منتجة في الاقتصاد، ورعاية مجموعات أعمال وشركات تعود بالنفع على الاقتصاد إجمالاً وتتمتع بمهارات عالية وأيضا الشركات الناشئة، وليس مجرد تقديم الإعانات للحفاظ على العمليات الحالية للشركات التي لا تعود بالنفع على الاقتصاد بشكل واسع.