10 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن التوجه لمحكمة العدل الدولية خياراً بالنسبة لقطر، بل جاء نتيجة للتصرفات الإماراتية المستمرة في انتهاك حقوق الدولة والمؤسسات الخاصة والعامة والأفراد، مواطنين ومقيمين، وبكافة الفئات العمرية والحالات الاجتماعية. إننا نتعامل مع دولة تظهر نفسها على أنها دولة التسامح والسعادة، وربما يكون ذلك صحيحاً عندما تتعامل مع الدول التي تتعامل معها بمنطق القوة مثل إيران والغرب، فتجد نفسها صاغرة أمامها لا حول لها ولا قوة سوى التسامح مع كل الإجراءات ضدها بما فيها احتلال جزرها، أو توفير السعادة للمستثمرين للاستفادة من خيرات الإمارات على حساب مواطنيها، لكن عندما يتعلق الأمر بأشقائها العرب فإنها تفعل كل ما يمكن لزعزعة دولهم، وتنتهك كل ما يمكن انتهاكه من قوانين وأعراف لتحقيق مآرب لا أخلاقية ولا سياسية، وما التقرير الفرنسي الذي نشر يوم أمس أيضا عن محاولة قلب نظام الحكم في تونس إلا دليل آخر على سوء نوايا نظامها باتجاه أشقائه، كل أشقائه. خطاب الكراهية والتفرقة العنصرية الصادرة من الإمارات ضد الأشقاء بات أمرا مقززاً ومكشوفاً لكل مواطن عربي قبل القيادات، وبات مفضوحاً للمجتمع الدولي برمته. إننا نعيش اليوم في قطر في حالة حرب مكتملة الأركان مع الإمارات لم يكن ينقصها سوى الركن العسكري الذي كان مطروحاً من قبل "الإخوة الأعداء" في بداية هذه الأزمة، وهذا يثبت أن هذه الأزمة مستمرة، ومشتعلة، وهي المعطف الأخطر في التاريخ الخليجي. إن التوجه لمحكمة العدل الدولية هو نهج قطري قديم حكيم، انتهجته قطر عندما أخذت ملف الخلاف القطري البحريني إلى محكمة العدل الدولية، رضت بنتائجه، وطوت ملف الخلاف بشكل كامل وكأن شيئاً لم يكن، بل وبادرت بمشروع جسر المحبة الذي تعهدت بتحمل تكاليفه كبادرة تثبت حكمة ونبل السياسة القطرية في التعاطي مع الأشقاء في الخليج. ما يميز السياسة القطرية في التعاطي مع الاتفاقيات الدولية، أنها ترفض ما لا تتفق معه أو يعارض سياسة الدولة مثل مواقفها المشرفة في رفض الكثير من القرارات أو الاتفاقيات الخاصة بالقضايا القومية والإسلامية وفي مقدمتها قضيتنا الأولى "فلسطين"، كما أنها تسجل تحفظها على الاتفاقيات التي تتعارض مع مبادئها الدينية أو مصالحها الإقليمية وتناقش المنظمات الدولية للوصول لحل يحقق لها ما تريد، لكن، عندما توقع قطر على أي اتفاقية فإنها تكون حريصة كل الحرص على تطبيق كل ما جاء فيها، ولا تعرض نفسها لما ينتج عن عدم الالتزام من مسؤوليات أو عقوبات، بل وتذهب أبعد من ذلك عندما تدفع بقية الدول الموقعة للالتزام، والدول التي لم توقع إلى الانضمام للمعاهدات الدولية التي تضمن حقوق الدول والأفراد. هنا كان مدخل قطر في الشكوى، فقد وقعت الاتفاقية مع محكمة العدل الدولية وهي تعلم أنها باب قانوني ستطرقه عندما تكون هناك حاجة إليه، وستلجأ له عندما تسمح أنظمته بذلك، على عكس الإمارات التي توقع على مثل هذه الاتفاقيات لتحسين صورتها الدولية وهي تعلم قبل التوقيع وبعده أنها ستخرق ما جاء فيها بكل السبل عطفاً على سياستها التي تعتمد على خرق القوانين الدولية لتحقيق مصالح فردية. تلعب الإمارات اليوم دوراً دولياً مكروهاً، ويوماً بعد يوم تصبح منبوذة من الدول وشعوبها، والمشكلة الكبرى أنها أصبحت توزع هذا الكره والنبذ الدولي على من اشترك معها في حصار قطر، لكنها قد تصل في يوم من الأيام لتجد نفسها في حالة فريدة في القانون الدولي تحت عقوبات دولية بسبب تصرفاتها غير الأخلاقية وغير المنطقية في مختلف بقاع العالم. قيل سابقاً، إذا أردت أن تحكم على الرجل، أعطه مالاً وسلطة، وليس صعباً أن نعرف أن الإمارات تملك المال وباتت تملك السلطة على نفسها والسعودية وتوابعها ونظام السيسي، وبالتالي يمكن لأي شخص أن يحكم عليها ونظامها الذي يملك "المال والسلطة". لقد كنا في زمان غابر نرى أن الكيان الصهيوني جرثومة زرعت في قلب هذه الأمة لتفكيكها وتشتيتها ليسهل السيطرة عليها وعلى مقدراتها، ومع تطور الزمن ووصولنا لما نراه اليوم نكتشف أن الجرثومة باتت منا وفينا، تنخر في جسد أمتنا، لتصبح الأمة تواجه جرثومة قديمة وجديدة، وكلاهما خطر، ويتنافسان في السوء.