31 أكتوبر 2025

تسجيل

تنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص

12 يونيو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يصطدم الحديث في دول مجلس التعاون الخليجي عن توسيع دور القطاع الخاص وإعطاءه دور ريادي في التنمية بحقائق صلبة على الأرض خلقتها طبيعة المرحلة التي مرت بها دول المجلس خلال فترات الطفرات النفطية وأدت بالحكومات – من خلال تحكمها في الموارد المالية التي تمثل أساسا الموارد النفطية – لأن تلعب دورا لا يختلف من حيث النتائج والأشكال عن أي دور تلعبه الحكومات في الاقتصاد الموجه أو اقتصاد رأسمالية الدولة. فأينما نولي الأدبار في جنبات الاقتصاد المحلي نجد دورا ما للدولة فيه. ونحن هنا لا نتحدث عن دورها في المرافق الأساسية كالتعليم والصحة والإسكان والكهرباء والماء، بل وحتى في أنشطة خدمية واقتصادية بحتة كالمواصلات والاتصالات والبنوك والتأمين والتجارة والكثير من الشركات على اختلاف أنشطتها هذا بخلاف الدور المهيمن الذي تلعبه في المجالات التشريعية والتنظيمية للأنشطة الاقتصادية. ويتوجب انطلاقا من هذا الوضع، ولكي تقتصر وظيفة الدولة على دور المشرع والمنظم وليس المشغل، ولكي يأخذ القطاع الخاص دوره الحقيقي في التنمية، العمل على إعادة تنظيم دور الدولة من جهة وتوسيع دور القطاع الخاص في مشاريع التنمية من جهة أخرى. وفيما يخص إعادة تنظيم دور الدولة، فإننا نلاحظ للأسف أن هناك خلطا بين هذا المفهوم ومفهوم تقليص دور الدولة. فرغم تجاوز مرحلة الدعوات إلى تقليص دور الدولة في الدول الغربية نفسها خاصة بظل ما شهدناه أثناء الأزمة المالية العالمية 2008 وتدخل الحكومات الغربية القوي لإنقاذ اقتصاداتها من الانهيار، فإننا نلاحظ أن أدبيات وبرامج المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين الخاضعة لنفوذ هذه الدول والموجهة إلى الدول النامية لا تزال تصر على دعوات تقليص دور الدولة بمفهومه المطلق بل وتطالب بالتسريع بتنفيذها. ونحن لا نفهم حقا إذا كانت آليات السوق في ظل اقتصادات متطورة بلغت النضج والاستقرار لم تفلح بأن تؤدي دورها المطلوب من دون تدخل ما من قبل الدولة، فكيف سوف تؤدي هذه الآليات دورها في مجتمعات نامية وتشوبها الكثير من التشوهات والاختلالات.بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وباقي دول المعسكر الاشتراكي، شهد عدد متزايد من البلدان عددا من التطورات مثل: الاتجاه نحو خصخصة المؤسسات العامة، وتخفيض القيود الكمية على التجارة أو إزالتها، وخفض رسوم الاستيراد إلى مستويات متدنية جدا في بعض الحالات، مما يجعل المبادلات التجارية أكثر استجابة لتغير الأسعار النسبية، وتضيق الفروق بين أسعار الصرف الرسمية وأسعار الصرف في السوق السوداء، وكذلك خفض أو إزالة القيود على تخصيص الائتمان والضوابط المفروضة على أسعار الفائدة. ووفقا للأهداف المعلنة، فإن جميع هذه الإجراءات استهدفت زيادة دور قوى السوق وتضييق نطاق التدخل الحكومي. إن التغيرات التي تطالب المؤسسات الدولية البلدان النامية بتطبيقها من الصعب معارضتها من الناحية النظرية، إلا أننا نعيد القول بأن العمل على تنفيذها بظل التشوهات الكثيرة في اقتصادات هذه البلدان سوف يؤدي إلى آثار سلبية وليس إيجابية. إن الدرس الأول الذي تعلمناه من تجارب الدول الآسيوية أن تجاربها التنموية قد نجحت استنادا إلى سياسات مزجت بين تدخل الدولة واقتصادات السوق، بل إن الدولة لعبت دورا مركزيا في إدارة وتنظيم – ولا نقول تشغيل أو تنفيذ - برامج التنمية.وإذا ما أخذنا بالاعتبار عاملا تاريخيا مهما هو واقع وتطور القطاع الخاص في العديد من البلدان النامية ومنها دول المنطقة، فإن الحديث المطلوب عن إطلاق قوى السوق في المجتمع يصبح أكثر صعوبة ومثالية. إن القطاع الخاص في العديد من هذه البلدان قد اتسم دوره بالضعف سواء جراء تبني توجهات التخطيط المركزي في بعض البلدان العربية أو جراء سيطرة الدولة على الموارد الرئيسية كما هو الحال في الدول الخليجية. كما تركز دور القطاع الخاص أيضًا في الأنشطة الإنتاجية غير الرئيسية. إن هذا الواقع يتطلب وجود مرحلة انتقالية أطول للتحول إلى اقتصادات السوق يجب أن تلعب الدولة خلالها دورا تنظيميا وإشرافيا رئيسيا بالدرجة الأساس مع قدر من المشاركة الفعلية في المشاريع الرئيسية. نضيف على ذلك أن تجارب العديد من دول المعسكر الاشتراكي السابق بعد إطلاق قوى السوق قد جاءت محبطة لشعوبها، وهي تقدم دليلا آخر على أن تبني نهج الاقتصادات الحرة بصورة عشوائية وحرفية دون الأخذ بالاعتبار وجود دور محوري للدولة ينظم هذا النهج ويبرمجه وفقا للحالة الخاصة لكل بلد سوف يؤدي إلى نتائج وخيمة. بينما تقدم الصين نموذجا ناجحا للجهود المبذولة للتحول إلى اقتصادات السوق مع استمرار وجود دور محوري للدولة في تنظيم وإدارة الاقتصاد.