14 سبتمبر 2025
تسجيليشكل الأمن المائي تحدياً حقيقياً في المنطقة العربية التي تعاني من اضطرابات وعدم استقرار في الأوضاع السياسية والاقتصادية، وقد برزت قضية توفير الأمن المائي للأجيال القادمة ولاستمرارية الكيانات المجتمعية على السطح، خاصة بعد إعلان إثيوبيا بناء سد النهضة على مجرى نهر النيل لدول المصب وتأثيره على دولتي مصر والسودان. وبات توفير المياه للمجتمعات البشرية التي تتزايد سنويا قضية مؤرقة، كما برزت مشكلة تأخر المشروعات الإنمائية التي تقوم على السدود ومجاري الأنهار والمصانع لكون الموجود منها حاليا في الوطن العربي لا يرتقي إلى حجم التنامي السكاني. وأنه في العقد الماضي زاد عدد السكان في العالم ثلاث مرات، وزادت استخدامات المياه، فهناك 1.2 مليار نسمة، أو ما يقرب من خمس سكان الكوكب يقطنون مناطق تعاني من ندرة المياه، و2.6 مليار تنقصهم مرافق الصحة العامة، والتي تقوم على استخدامات المياه كوسيلة حياتية ومعيشية كما أن هناك ٤٠% من سكان العالم عرضة لفقدان الأمن المائي. من منطلق هذه القضية التي باتت تؤرق المعنيين تسعى قطر لاستضافة مؤتمر المياه في ٢٠١٤، وذلك بعد اجتماع عقده ممثلو الأمانة العامة الفنية للمجلس الوزاري العربي للمياه، استعرضوا فيه قضايا تأمين المياه والتجارب الناجحة في الوطن العربي. من القضايا دراسة مشكلات المناطق الجافة والقاحلة، ونقص موارد المياه في فلسطين، والخلاف بين مصر وإثيوبيا بعد بناء سد النهضة على مجرى نهر النيل، واعتماد المغرب العربي ما بين ١١% إلى ٥٣% على مواردها التقليدية، لأن الاستفادة منها ذات تكلفة مالية عالية جداً، وتستخدم تونس موارد تقليدية من المياه الجوفية والأمطار، والاحتياج الكبير لموارد المياه في اليمن، وتأثير تغير المناخ في لبنان، وتناقص نسبة سقوط الأمطار على المناطق والاستنزاف العشوائي للمياه الجوفية جعلها في أزمة حقيقية. وقدم خبراء المياه في الاجتماع رؤى مستقبلية حول تأمين موارد المياه منها مشروع النهر الصناعي في ليبيا حول تحويل مياه الوفرة إلى مناطق الندرة، وتجربة قطر في تقليل الفاقد في شبكة مياه الشرب، وتجربة الجزائر في تحويل المياه الصالحة للشرب، وتجربة دول مجلس التعاون في مشروع الربط الكهربائي والمياه بين دول المنطقة بهدف سد احتياجات النقص. يشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن الظروف المناخية والاقتصادية والاجتماعية لدول الوطن العربي أسهمت في تنوع الضغوط والتحديات التي تعانيها الموارد المائية، وأسهم التزايد السكاني في زيادة الطلب على المياه، واعتماد الكثير منها على الزراعة التقليدية التي تستهلك ٨٠ % من موارد المياه العذبة، وتفاقم مستويات التلوث، والتوزيع غير المتكافئ للمياه والافتقار إلى الموارد الاقتصادية والتكنولوجية المناسبة لمعالجة نقص المياه، والسحب غير المتوازن من الخزانات الجوفية، وتدهور نوعية المياه وزيادة ملوحتها بفعل دخول مياه البحر أو مياه الأحواض المالحة القريبة منها. أضف إلى ذلك الوضع الراهن للشرق الأوسط في انعدام الأمان والاستقرار الذي لم يعد يضمن تدفق المياه الصالحة للمناطق، وانتشار النزاعات المسلحة التي تضر بالبنية التحتية لمشروعات المياه، أو المشروعات المستقبلية التي تنوي إقامتها المؤسسات الإنمائية الدولية، وقلة التمويل، وغياب الرؤية الواضحة للمشروعات، وطول أمد الحلول، إذ إن الوضع القائم يتطلب الإسراع في تنمية الجهود. وتشير دراسات جامعة الدول العربية إلى أن ١٨ دولة عربية من ٢٢ دولة تعاني من ندرة المياه وقد تواجه مشكلة حقيقية في مواردها بحلول ٢٠٥٠، وانطلاقاً من هذه المشكلة يسعى خبراء عرب إلى تحفيز الدول العربية على تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتاحة، وتوفير مياه الشرب الصالحة، وحماية الحقوق المائية في المياه المشتركة، وتشجيع رؤوس الأموال العربية للاستثمار في قطاع المياه. على الصعيد الخليجي فقد حددت دول التعاون رؤية استشرافية لاستغلال الطاقات المتاحة ومنها المياه وسعت إلى توجيه إمكاناتها لمسارين هما الاستثمار والصناعة في طاقة المياه. يصل حجم النمو في قطاع المياه الخليجي إلى ٥% في ٢٠١١ ثم زاد إلى ١٣% خلال السنوات الخمس الماضية وأن نسبة احتياجات الخليج من المياه تصل ٩٠% حيث تتم تحليتها كليا من البحر. ولمواجهة شح المياه في السنوات القادمة فقد سعت دول التعاون إلى تأسيس مشروع الربط المائي الذي بدأ فعليا في ٢٠١١ بتكلفة أولية مليار دولار وجرت أكثر من ٦٠٠ عملية تبادل للطاقة بين دول التعاون خلال الأزمات والطوارئ. أما الاستثمار فقد أسست قطر شركة برأسمال قدره مليارا دولار للاستثمار في قطاعي الكهرباء والمياه، وأن تتولى تسويق إنتاج الطاقة في الأسواق العالمية، وهذا يعد استفادة تحقق عوائد طويلة المدى، أضف إلى ذلك الاستثمارات المتنوعة في البنية التحتية والمدن الصناعية بدول التعاون والقطارات التي تعتمد في مجملها على طاقة المياه والكهرباء، سعياً وراء تحقيق التنوع الاقتصادي.