04 أكتوبر 2025

تسجيل

الإعلام الإنساني العربي .. واقع وطموحات

12 يونيو 2013

رغم حجم العمل الإنساني الذي ينفذ في دولنا العربية سواء من قبل الأنظمة والحكومات، أو من طرف منظمات المجتمع المدني، على مستوى مشاريع وخدمات الإغاثة أو الرعاية أو التنمية، أو التوعية، إلا أن الإعلام الإنساني لا يزال متأخرا عن اللحاق بركب هذه العمل. لا أقصد هنا بالطبع قيام المؤسسات الخيرية والتطوعية بالتغطيات الإعلامية لمشاريعها تدشيناً ومخرجات، فهذا حاصل، إلى درجة " الاستعراض" لدى بعضها على الأقل، سواء في وسائل الإعلام الجماهيرية، أو وسائلها الاتصالية الخاصة، كالمجلات والمواقع الإلكترونية وغيرها، وإنما أعني الوسائل والأدوات التي تهتم بالشأن الإنساني عموما في عالمنا العربي، كالتي تعنى بالأخبار والتقارير والتحليلات وعن مناطق الكوارث والأزمات، والمشاكل التي ترتبط بذلك، كالنزوح واللجوء، وحجم تأثيراتها على الإنسان في المجالات الحياتية والمعيشية والصحية والاجتماعية والتربوية والنفسية، أو بالتحديات التي ترتبط بالفقر والبطالة التي تعاني منها مجتمعاتنا، وتقدّم المعلومات والأرقام التي ترتبط بها وبأسبابها، وبالمبادرات التي تقدم حلولا تنموية تخفف من وطأة هذا الواقع المؤلم، ويأخذ بأيدي أبناء هذه المجتمعات الفقيرة والنامية إلى معارج النهوض والتقدم، والقضاء على التحديات المرتبطة بهذه الأوضاع الصعبة، وتحثّ القادرين على تبني أو دعم مثل هذه المبادرات المقدَّرة. لو قلّبنا أنظارنا في فضاء العمل الإنساني فلن نجد في المجال الإعلامي العام إلا جهودا محدودة، وأعمالا نادرة، لعلنا ننوه بأهمها ألا وهو: النسخة العربية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، رغم أن هذه النسخة تابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وهي تكاد تكون المصدر الوحيد للتغطيات الإخبارية في الشأن الإنساني بلغتنا العربية، وموقع المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) في المملكة العربية السعودية، الذي يؤدي إضافة للنشرة الإخبارية اليومية وعدد من الأعمال الإعلامية المهمة مثل المقالات والدراسات، وخلاصات وعروض الكتب الإنسانية العربية والأجنبية، والتقارير الإستراتجية والملفات الخاصة، ويدعم الأبحاث والدراسات. وقناة "غراس" الفضائية بالكويت، التي تهتم بنشر الوعي السلوكي في المجتمع، والتأصيل لإعلام قيمي واقٍ من مخاطر المخدرات والآفات المشابهة، والاهتمام بقضايا الشباب والأسرة، عبر طرحها للنقاش البناء بأساليب جذابة. فائدة مثل هذه الوسائل ليس فقط جماهيرية عامة لتمكين الجمهور العربي من متابعة الأخبار في المجال الإنساني والخيري والمبادرات المجتمعية، بل يضاف إليها فوائد خاصة قد تكون أهم وأكبر، لعل منها: توفير المعلومات والأرقام والحقائق وما يتعلق بتطورات الأوضاع لصنّاع القرار والعاملين في وكالات الإغاثة والمؤسسات الإنسانية والتنموية والحكومات المضيفة والمانحة، ووضعهم في آخر مستجدات الوضع الإنساني مجال الاهتمام، وتوصيلها أيضا للفئات الضعيفة والمنكوبة والمتضررة في المجتمع، لتساعدهم في الحصول على معلومات موثوقة، وبالتالي أخذ قرارات مدروسة بشأن مستقبلهم. قد يقول قائل وهل من حاجة إلى تلك الوسائل والأدوات الإعلامية المتخصصة، وثمّة وكالات أنباء وإذاعات وقنوات تلفزيونية محلية دولية ومجلات تولي ذلك شطرا معقولا من اهتمامها، لهذا الجانب الإنساني؟ الإجابة بالإيجاب طبعا، وذلك لجملة أسباب: ـ الإعلام العام لا يغني عن الإعلام المتخصص، فكما أنّ هناك قنوات تلفزيونية إخبارية أو منوعة، فثمّة قنوات للرياضة وللفن وللتراث وهكذا، حيث يستقطب الإعلام المتخصص جمهورا نوعياً خاصاً من أصحاب العلاقة والاهتمام. ـ غالبا ما يكون الاهتمام الإخباري من قبل وكالات الأنباء الدولية والقنوات الفضائية العالمية والمحلية في الأزمات كالحروب مرتبطاً بالأحداث السياسية وممتزجا فيها، كما يكون لحظيا ومركِّزاً على أوج النكبات الإنسانية ولحظاتها وأيامها الأولى، كالكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير وفيضانات ونحوها، دون ملاحقة تأثيراتها المأساوية بعد ذلك إلا بحدود قليلة. ـ مقارنة بالإعلام العام فإن الإعلام الإنساني أكثر مراعاة للمواثيق الأخلاقية المتعارف عليها عند تغطية الموضوعات الإنسانية أو نشر صور من الميدان، حتى لا يحدث ضرر أكبر للمجتمع المتأثر بالكارثة الإنسانية. ـ تعزيز التغطية الإعلامية الإنسانية وضمان استمراريتها، لتشمل دولاً وقضايا قد لا ينتبه لها الإعلام العام أو يهملها أو يهمشها لصالح ملاحقة غيرها من المواضيع الأخرى، الساخنة على الساحة. ما تقدَّم لا يمنعنا من الإشارة إلى حقيقة تزايد اهتمام الإعلام العام ووكالات الأنباء والقنوات الفضائية العربية بالجوانب الإنسانية على نحو أكبر وأوسع، وللتدليل على ذلك ننوه بتخصيص منتدى الإعلام العربي بدبي جائزة سنوية لأفضل تغطية صحفية في مجال العمل الإنساني، وهي خطوة هامة من شأنها حفر وسائل الإعلام والصحفيين على إيلاء مزيد من التركيز لهذا الجانب واكتساب مهاراته المطلوبة. نأمل أن يتسع نطاق الاهتمام بالإعلام الإنساني ـ على المستوى العام ـ وإنشاء الوسائل اللائقة بجهوده ومخرجات مشاريعه، وحجم التحديات المرتبطة به في عالمنا العربي كما ينمو الاهتمام بالأمور والوسائل الأخرى ذات الطبيعية التخصصية.