12 سبتمبر 2025
تسجيل(لا أدري: لماذا يُهضم حقي؟ لم تُساء معاملتي؟ أتعجب من اعتباري مواطنة من الدرجة الثانية!) بهذه الكلمات المؤلمة التي تنبض بالأسى والوجع، نقلت إليّ إحدى الفتيات شكواها، فقلت لها: لاشك أن هذا موقف فردي لا يُعبر عن منهج ديننا الحنيف في التعامل مع المرأة، ولا يُمثل قيم مجتمعنا الرشيد في نظرته للفتاة، فأنتِ – ابنتي الغالية – دُرة مصونة، ولؤلؤة مكنونة، كرمكِ الإسلام أبلغ تكريم، وفضّلك أعظم تفضيل، فإذا بها تنظر إليّ في عجب، فتفهمت تلك النظرة، وقلت لها: إن الإسلام رحب بكِ منذ ولادتكِ واعتبركِ هبة من الله عز وجل، فالله تعالى يقول: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ) وقدم الإناث على الذكور للمبالغة في التصحيح لثقافة كانت رائجة في المجتمع العربي القديم، وهي أن الإناث بلاء ونقمة، فردّ القرآن بأنها من النعم المستحقة للحمد. والإسلام أمر بإكرام المرأة، سواء كانت أما أو ابنة أو زوجة، ومن مظاهر تكريم الإسلام للبنت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه). والجميل في الحديث الشريف أن الثواب الذي ذكره النبي في تربية البنات لم يذكر في تربية الأولاد، وذلك أن البنت إذا كبرت وأصبحت فتاة ثم امرأة، فهي مصنع الحب وإشاعته، ومصدر القيم والخلق الكريم ومنبعه، وعلى قدر تربيتها في الصغر وحسن تنشئتها يكون حبها الذي تفيض به صافياً وعظيماً يدفع الآخرين للنجاح في صناعة الدنيا والتميّز، ومما يميّز الحب الأمومي أنه لا يضع شروطاً للحب، ويعطي من غير مقابل، وهو أساس كل مشاعر الحب الأخرى، والتي تشكّل حماية وأمنا للإنسان، ومما يعجب له الإنسان أن الدراسات الحديثة أثبتت ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال الذين ترعاهم المستشفيات ولا يحصلون على الحب الأمومي. والآن أدعوك – ابنتي الغالية – إلى التأمل في ذلك الموقف النبوي، حيث ذهب الرسول الكريم وصاحباه وهم في شدة الجوع إلى أبي أيوب الأنصاري، والذي رحب بهم، وأكرم ضيافتهم، وقدم الطعام إلى رسول الله، فأخذ منه رسول الله قطعة من لحم الجدي ووضعها في رغيف، وقال: "يا أبا أيوب، بادر بهذه القطعة إلى فاطمة – ابنة النبي- فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام". ابنتي الغالية، هذا التكريم وذلك التفضيل يأتي تقديرا لدوركِ في تربية المجتمع وحسن تنشئته، فانهضي بذلك الأمر، وأعدي نفسك للاضطلاع بتلك المسؤولية العظيمة. وتذكري دائما: "المرأة نصف المجتمع، وتربي النصف الآخر".