17 سبتمبر 2025

تسجيل

دكتاتوريات الديمقراطية الرديئة

12 مايو 2014

ليس هناك بلد في العالم يعرف اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية كما يحدث في العالم العربي، وفي الطريق إلى حلم الحرية والديمقراطية يختبئ غول الدكتاتور دائما على منعطف مظلم ليبرز فجأة في وجه ملايين البشر، إنه رئيس من نسل فرعون دائما، لا يعرفه الناس من قبل، ينبت في عيونهم بلا مقدمات، قد يأتي من اللاشيء أو من الصف الأخير أو على ظهر دبابة أبيه أو سيده الأبيض فيصبح الرجل الأول بين ملايين البشر، ثم تتضخم الأنا عنده ويصاب بجنون العظمة وهوس السلطة، فلا يتزحزح من مكانه حتى لو ترنح مئات المرات، ثم تخرج طبقة من الطبالين تسبح بحمده ويعلن عن إجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية شكلية، أشبه ما تكون بالجاهة التي تذهب لخطبة العروس بينما عقد القران تم قبل أسبوع، هذا عالمنا العربي بلا علم ولا عالم.لقد مرّ أسبوع على "الانتخابات الطائفية" في العراق، ورغم عدم إعلان النتائج الجزئية فإن الجميع يتحدثون عن خروقات فاضحة وتزوير في عمليات الاقتراع في ظل حرب طائفية همجية يشنها نوري المالكي المشكوك في دستورية رئاسته المنتهية ضد مدن أهل السنة وضد معارضيه من الشيعة العرب، وهو يعلن بكل بجاحة عن ثقته الزائدة في أنه سيتمكن من تحقيق فوز ساحق يمكنه من تشكيل حكومة ثالثة بأغلبية برلمانية بعد أن ضرب مطالب الأطياف السياسية عرض الحائط منذ سنوات بتشكيل حكومة تضم جميع مكونات الشعب العراقي.المالكي بكل سخرية الزعامات الجديدة أعلن أنه لا يسعى لأن يكون رئيسا للحكومة إلا إذا اختاره الشعب العراقي رئيسا، على طريقة السيسي، وهذا ترجمة للسان حاله الذي يقول: إنني رئيس الحكومة المقبل فلم يبق أحد له وزن بين الشعب العراقي الذي مزقته الطائفية، كلام سخيف يصدر عن مهرّج يسوق العراق بكل رعونة إلى مستقبل مظلم لا خلاص فيه من التبعية السياسية والقتل حسب المعتقد فهو لم يفعل شيء لبلده وأبناء شعبه سوى المؤامرات والدسائس ضد خصوم مفترضين من غير عقيدته السياسية، ومع هذا يجد شارعا واسعا يقف معه ويصفق له في ظل صمت عربي ودولي على الجرائم التي ترتكبها القوات التي تأتمر بإمرته وإمرة من يدعمونه. الرئيس بشار الأسد الذي يقود حربا طاحنة ضد المعارضة وضد خصومه يترشح بشكل ساخر لانتخابات الرئاسة التي لن يشارك فيها أي شخصية معارضة حتى ولو شكليا، ورغم ترشح شخصيتين كرتونيتين جيء بهما على طريقة " المحلِل شرعا "، فإن الانتخابات السورية هي فصل في الرواية القديمة الجديدة التي يفوز بها السيد الرئيس دائما بنسبة 99.9 % عبر عشرات السنين القاحلة، والجديد أن الانتخابات هناك سينتج عنها بيان رسمي يهنئ الشعب على إعادة انتخاب الرئيس لولاية جديدة تستخدم شماعة لإطالة عمر الصراع الداخلي وتمزيق الصراع مع العالم الخارجي الذي يطالب بتنحي الأسد، وكان الأولى بالرئيس الأسد بما أنه أصرّ على المواجهة أن يبقى مقاتلا في ساحة المعركة ليكسب الرئاسة عبر الحرب لا عبر الكذب على النفس كما هو حال العرب الجديدة.وإلى مصر وصاحبها عبدالفتاح السيسي الرئيس القادم بلا منازع منذ أول يوم قاد فيه انقلابه على ما سبق، فهو أشغل المصريين والعالم بدراما مصرية مملة عن انتخابات رئاسية لا مثيل لها، فهي تسبق انتخابات مجلس الشعب وإقرار الدستور، تماما كمن يحاول أن يبني القبة قبل أن يرسي الأعمدة تحتها، وهذا لا يجري إلا في أمة العرب الذين تركوا قيمهم الرفيعة خلف ظهورهم، فمصر التي كانت منارة وسط عالمنا العربي أصبحت مظلمة لا أحد يرى فيها أي نور سياسي أو إعلامي أو قضائي مشع سوى فوانيس النظام الحاكم الذي ألب الشعب على بعضه البعض، وزرع فتن لن تهدأ على الأمد القريب رغم معسول التحليلات والاستشرافات.كل هذا يجري والعالم يتحول إلى الأفضل، وتحاول حتى الدول المتخلفة أن تتخلص من تخلفها السياسي والاجتماعي، فيما نحن العرب لا نزال نحاول جاهدين شراء أي فكرة متخلفة لتوزيعها بالمجان بين أجيالنا، فهل يعقل أن يعود الرئيس الجزائري عبدالعزيز بتوفليقة إلى الحكم عبر مقعد متحرك وجسد محنط يدفع به إنسان يحمل رأسا بين كتفيه، ثم تصفق له جماهير السلطة الغبية. ألم يأن لهذه الأمة أن تبدل ثوبها المهترئ، أو أن تعود إلى مجتمع القبيلة حيث الصراع والتنافس على قدر من الفهم والاستيعاب وبعضا من الفروسية، لا كذب ونفاق وقتل بالجملة وهدر لثروات البلاد من أجل عيون الرئيس الذي يعاد انتخابه ألف مرة في السنة على الورق وعبر الورق فقط يرى مستقبل وطنه وشعبه، إنها دكتاتورية جديدة تنتجها مطابخ الديمقراطية الرديئة.