17 سبتمبر 2025
تسجيلالذكرى 63 للنكبة تتميز في جملة من الحقائق الإسرائيلية على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، المستندة إلى خلفية أيديولوجية توراتية. هذه الحقائق لو أدركها الساسة الفلسطينيون والعرب لما طرحوا مبادرات سلام مع إسرائيل ولصاغوا إستراتيجية وتكتيكا سياسيا جديدين متوائمين مع هذه الحقائق من حيث مجابهتها ولعل أبرز هذه الحقائق يتلخص فيما يلي: أولاً: أن المشروع الصهيوني للمنطقة العربية وبفعل مستجدات واكبت تطور الصراع فيها، وبحكم حقيقة تتمثل في فشل إسرائيل في إقناع غالبية يهود العالم في الهجرة إليها، فإن مشروع إسرائيل في بناء دولتها من الفرات إلى النيل وإن غاب في أذهان الساسة الإسرائيليين باستبداله من الاحتلال الجغرافي إلى السيطرة الاقتصادية وبالتالي السياسية، لكنه يتعمق في أذهان اليمين الإسرائيلي المرشح لازدياد قاعدة وهرم تأثيره في الحياة السياسية الإسرائيلية. ثانياً: أن التحولات الجارية في داخل إسرائيل مذهلة في استطلاعاتها وكلها تشي بارتفاع نسبة الأصوليين بين اليهود إلى مستويات قياسية عالية، فقد قال بحث أجرته جامعة حيفا ونشرت نتائجه والتي تقول: إنه وفي العام 2030 فإن نسبة المتدينين اليهود سترتفع عن %50 من نسبة السكان اليهود، وستتراوح بين 62%-65% وهذا سيعد انقلاباً هائلاً في الحياة المدنية الإسرائيلية. ليس من حيث تأثيراته في الحياة الاجتماعية فحسب ولكن بالضرورة أيضاً: على التداعيات التأثيرية على السياستين الداخلية والخارجية وتحديداً الصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني. إذا ما بقيت إسرائيل حتى ذلك الزمن فسنواجه إسرائيل جديدة. هذا لا يعني على الإطلاق الاستهانة في المواجهة السابقة والحالية معها، ولكن المقصود القول: إننا نواجه تشدداً إسرائيلياً أضعاف أضعاف التشدد السابق والحالي. ثالثاً: المتتبع لمسيرة الداخل الإسرائيلي يلحظ وبلا أدنى شك أن إسرائيل تتفنن تماماً في المزاوجة بين القوننة والسياسة، بما معناه: أدلجة السياسة الخارجية بقوانين. فيما يتعلق بالصراع مع أعدائها، وأدلجة السياسة الداخلية بقوانين تعمل على تحصين إسرائيل من تأثيرات العرب بداخلها من جهة، ومن جهة أخرى تعبّد الأرضية لبناء هيمنة يهودية. في محاولة استباقية للتغلب على إمكانية قيام أغلبية عربية في إسرائيل (مثلما تشير بعض الاستطلاعات التي تتنبأ حصول ذلك في العام 2022). بالتالي هي تفرض مجموعة من القوانين العنصرية (بقراءاتها الثلاث في الكنيست). وكان العام 2011 منذ بدايته مميزاً في فرض القوانين (منع العرب من الاحتفال بذكرى النكبة، إمكانية سحب الجنسية منهم..... إلخ). إضافة إلى خلق واقع اقتصادي-اجتماعي في إسرائيل للعرب يصبح استمرار العربي في العيش في بلده فلسطين مستحيلاً وبالتالي فليس أمامه سوى الهجرة. الغريب أن إسرائيل ورغم قوننتها للعنصرية (على شاكلة النظام العنصري الأبيض السابق في جنوب إفريقيا) تبقى في عرف الدول الغربية والكثيرين الآخرين (دولة ديمقراطية). ففي الوقت الذي أدان فيه العالم عنصرية جنوب إفريقيا وروديسيا يقف صامتاً أمام العنصرية الإسرائيلية. رابعاً: تحقيق الاعتراف الدولي بــ(يهودية دولة إسرائيل) فها هو الرئيس الفرنسي ساركوزي ووفقاً لما ورد على لسان نتنياهو بعد مقابلته له في باريس، يعترف بهذه اليهودية، بالطبع الولايات المتحدة كانت سابقاً قد اعترفت بذلك، والعديد من الدول الأوروبية مهيأة لذلك. لقد مارس العالم خلطاً (مباشرة أو بطريقة غير مباشرة) في عدم التمييز بين اليهودية كديانة (مثل الإسلام والمسيحية) وبين اليهودية كقومية وهو ما حرصت الصهيونية منذ بداية تأسيسها على تحقيقه في المفهوم فقررت في مؤتمرها الأول إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين. جاء وعد بلفور في عام 1917 ليؤكد هذا الهدف، وكذلك نص قرار التقسيم للأمم المتحدة في عام 1947 على إنشاء هذه الدولة. إسرائيل في بداية تكوينها لم تركز على تحقيق هذا الشعار لاعتبارات تكتيكية ليس إلاّ، عنوانها: ترسيخ دعائم دولتها أولاً ومن ثم وحين تحين الظروف تطرح الشعار للاعتراف به دولياً، وذلك للتغطية على أية خطوات عنصرية مستقبلية تقوم بها تجاه المزيد من الحرمان والتضييق على العرب فيها (في منطقة 48) وتجريدهم من كل حقوقهم وصولاً إلى إيجاد الحلول الملائمة والمناسبة لخروجهم طائعين منه. خامساً: فيما يتعلق بسقف التسوية مع الفلسطينيين والعرب، جاء الشرط الإسرائيلي الجديد على الجانب الفلسطيني من أجل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل مقابل الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية العتيدة، هذا الشرط سيتم فرضه على العرب مستقبلا. في الذكرى 63 للنكبة يمكن القول: إن عودة الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية لن تتحقق ضمن الاعتراف الإسرائيلي بها. وإنما تصبح واقعاً عندما يجري فرضها فرضا على هذه الدولة الصهيونية المشبعة والمتخمة بالتعاليم التوراتية، هذه هي أبرز الحقائق.