20 سبتمبر 2025
تسجيلربما كل باكستاني في حقيقة نفسه يؤيد رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان فيما ذهب إليه، للانعتاق من الهيمنة الأمريكية والغربية المستمرة بحق باكستان وغير باكستان، ولكن بالمقابل الانعتاق من هذه الهيمنة لا بد ألا يكون لصالح هيمنة أمريكا أخرى، وربما تكون هذه الأمريكا الجديدة أشد وحشية، وأكثر كلفة، كما حصل مع السياسي الباكستاني الجديد الذي اتجه نحو روسيا والصين، وحتى الباكستانيين المؤيدين لتوجهه، يدركون أن ذلك مستحيل واقعياً، وعملياً، وتحديداً فيما يتعلق بتنفيذ تلك الرؤية والاستراتيجية، ونحن هنا نقصد المؤسسة العسكرية الباكستانية التي ستجد نفسها وجهاً لوجه أمام استحقاقات خطيرة كونها ملكة اللعبة السياسية الباكستانية داخلياً وخارجياً. فعلى المستوى الاقتصادي رأينا كيف أن دولاً كبرى مثل روسيا والصين لا تقوى على عقوبات تفرضها أمريكا وقوى غربية متحالفة معها، فكيف ستتمكن باكستان من مقاومة الضغوط والعقوبات الأمريكية التي قد تفرض عليها، فضلاً عن مقاومة عقوبات توفير قطع غيار عسكرية قد تحتاجها يوماً ما في حرب لها مصيرية مع الهند وغيرها، وهي التي تعتمد بشكل أساسي ورئيسي في سلاحها وتكنولوجيتها على التقنية الغربية. أما إن تعرضت لعقوبات اقتصادية عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وخاصية السويفت، للتبادل البنكي الدولي، فتلك قصة أخرى قد تؤدي إلى تفكك البلاد، وهي المفخخة بمشكلات إثنية وطائفية وتدخلات خارجية كبيرة! حين تتحدث مع الجنرالات الباكستانيين ومع سياسيي البلد، فالكل مجمع على أن الولايات المتحدة الأمريكية خذلت باكستان أكثر من مرة، وفي غير مناسبة، ولكن بالمقابل هل للطرف الآخر، وتحديداً الروسي الذي لجأ إليه عمران خان، لديه ما يطمئن الساسة الباكستانيين؟، فالكل يعرف أن موسكو تنظر إلى إسلام آباد من منظار الثمانينيات ودعمها للمجاهدين الأفغان، ومساهمتها في تشظي الاتحاد السوفيتي، فإن كان بوتين لا ينسى حتى اليوم الكارثة الجيواستراتيجية كما أسماها وهي انهيار الاتحاد السوفيتي، فهل سينسى من كان سبباً في ذلك، وهي باكستان، وضياء الحق، وتحديداً المؤسسة العسكرية؟. عمران خان المجمع على أنه أتى للساحة السياسية الباكستانية بدعم المؤسسة العسكرية، إذ لولا دعم هذه المؤسسة لما تمكن من اختراق حياة سياسية عمرها بعمر أحزاب تقليدية كحزب الشعب بزعامة آل بوتو، وحزب الرابطة الإسلامية بزعامة شريف وشقيقه شهباز اليوم، وطوال هذه الفترة لم يتمكن عمران من كسب ود المؤسسة العسكرية في خطته نقل باكستان من الجانب الأمريكي إلى الجانب الروسي والصيني، لاسيما وأن أدوات الانتقال العسكرية ممثلة بالجيش، والبيروقراطية ممثلة بالخارجية، وبالطبع الدولة الاقتصادية العميقة من شركات ضخمة، وبنى عميقة غير مقتنعة أصلاً بهذا التوجه، الذي ترى فيه ذهابا إلى المجهول، وليس من عادة الدول أن تذهب إلى المجهول بهذه الطريقة، فإن كانت البلاد تواجه عقبات ومشكلات في السير بطريق معلوم كهذا، فهل يمكن لها أن تسير في طريق مجهول كالذي يقترحه عمران خان. الإشكالية الأساسية في عمران خان وغيره، أن الآمال والطموحات كبيرة، ولكن الخبرات قليلة، والأدوات أقل، وبالتالي رفع شعارات تدغدغ عواطف الكثيرين، لكنها شعارات غير ممكنة التطبيق والتنفيذ، وتفتقر بالمقابل إلى رصيد في عالم السياسة الواقعي، وبكل تأكيد فإن كل من عرف السياسة ودهاليزها، يقول لك إن صخرة الواقع ستوهن قرن كل من يواجهها، ولا يطرح أحدهم المثال التركي، وكيف أخذ مسافة من الحليف الأمريكي، وبدأ بعلاقات مع روسيا، فالأمر مختلف جداً، فذاك أخذ أولاً وقتاً قارب من 20 عاماً، وثانياً تمكن أردوغان طوال تلك الفترة من ترويض الجيش، وجعله يتناغم مع رؤيته ومبدئه السياسي والعسكري، وهو ما يفتقر إليه عمران خان، الذي اصطدم مباشرة مع الجيش، ولا ننسى أن السياسة التركية عادت أخيراً في الحالة الأوكرانية إلى اصطفاف أقوى من الغربي منها للروسي.