10 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ أن أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية قائمة المرشحين المحتملين لمنصب رئاسة جمهورية مصر العربية، لفت ذلك الإعلان انتباه العالم أجمع، ووجد موضوع الانتخابات الرئاسية اهتماما وصدى واسع النطاق على كل المستويات، وتباينت الآراء حول من سيعتلي كرسي الرئاسة المصرية، لما لمصر من موقع هام في الوطن العربي والمجتمع الدولي، فلقد عانى الشعب المصري كثيرا في ظل النظام السابق من حرمان للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتردي الاقتصادي والبطالة، ومن حقه أن يهنأ بالاستقرار الاقتصادي، ويستأصل من جسده المنهك سرطان الفساد. فمنذ سقوط حكومة النظام السابق وتنحي الرئيس حسني مبارك ومن ثم محاكمته، وسطوع نجم التيارات الإسلامية بصورة لافتة في سماء الحياة السياسية المصرية وسيطرتهم على مجلسي الشعب والشورى، تسارعت وتيرة الأحداث مع إعلان جماعة الإخوان المسلمين في مصر ترشيح أحد كوادرها لخوض الانتخابات الرئاسية، بعد الوعود السابقة التي أطلقتها الجماعة في أعقاب سقوط نظام مبارك بعدم تقدم أي من أعضاء الجماعة لخوض سباق الترشح الرئاسي، مما وضع مصداقية الجماعة على المحك، وظهر هذا جليا من خلال ردود الأفعال الغاضبة احتجاجا على تلك الخطوة، حيث تعرضت الجماعة إلى سيل من الانتقادات من داخل وخارج الجماعة في أعقاب ذلك الإعلان المفاجئ، كما تقدم اثنان من قياديي الجماعة باستقالتيهما. واعتبر كثير من المحللين إعلان الجماعة عن ترشيح خيرت الشاطر - أحد قياداتها البارزين - تغييرا مفاجئا في مواقفها يضعها في خط المواجهة الأمامي مع عدد من التيارات في الساحة السياسية المصرية، والتي رأت أن الجماعة تتطلع صوب الهيمنة الكاملة على المشهد السياسي لما بعد الثورة، ودليلا آخر على ازدواجية مواقف الجماعة، لأنهم ومنذ البداية علت أبواقهم وأعلنت بأن الجماعة لا تطمح ولا تطمع في الرئاسة ولا في الحكم. وأثار إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن مساعيها الحثيثة للتوصل إلى "مرشح توافقي" جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، وكانت صحيفة الحياة قد أشارت إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تجري اتصالات مع شخصيات لإقناعها بالترشح وأنها ستدعم عمرو موسى إذا لم تتفق مع مرشح جديد. وبعد هذا السيناريو، يتفاجأ الرأي العام بتقديم جماعة الإخوان لأوراق خيرت الشاطر كمرشح للرئاسة، مما أفقد جماعة الإخوان المسلمين مصداقيتهم، وأفضى ذلك إلى تباين حاد في الآراء فيما بينهم مما ينبئ بأن شرخا قويا ربما يحدث في تماسك جدار عضوية الجماعة، حيث جاء مرشحهم من بني جلدتهم وليس كما أعلن المرشد العام، أنه توافقيا. وكما يعلم الجميع بأنه وعلى مدار عقود من تجارب الأنظمة السياسية في دول مختلفة، فإن رئيس الحزب يغدو هو نفسه ليصبح رئيس الدولة، لذا يأخذنا المشهد الحالي في مصر إلى المشهد الإيراني الواضح للعيان، حيث يلجأ رئيس الدولة إلى الرجوع للمرشد الأعلى، مما يجعله في وضع تصادمي في اتخاذ القرارات السياسية، والمشهد المصري الحالي يراه المراقبون متضاربا فيما هو معلن وما هو غير معلن، كما نجد أن معظم المرشحين والأحزاب تتضارب آراؤهم وأقوالهم كلما اقتربت ساعة الصفر لاعتلاء كرسي الرئاسة. والمراقب للمشهد السياسي المصري عن كثب يرى، وبعد جلوس وتربع الدكتور الكتاتني على كرسي مجلس الشعب، وبعد أن حازت الجماعة والتيارات الإسلامية ثقة الشعب وهيمنتها على مجلسي الشعب والشورى، أنه قد تلألأ بريق النفوذ والطمع صوب عرش أكبر دولة عربية، في أعين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. ويرى الكثيرون سعي جماعة الإخوان المسلمين للاستئثار بكل مقاليد السلطة ومحاولة فرض الهيمنة الكاملة على مؤسسات الدولة ومراكز صنع القرار في مصر، بأنه مغامرة كبيرة تعكس تحولا جذريا عن نهجها القديم في اعتماد الحذر وتلمس خطواتها السياسية طيلة عقود ماضية. واشتعل السباق الرئاسي المحموم مع إعلان اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية السابق ونائب رئيس الجمهورية في آخر أيام نظام مبارك، الترشح للمنصب استجابة - حسب قوله - لمطالب الآلاف من أنصاره، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في الشارع المصري، وبانضمام اللواء عمر سليمان إلى قائمة مرشحي الرئاسة في مصر، تباينت ردود أفعال مختلفة على الصعيدين المصري والدولي، ففي حين رحبت به أوساط شعبية مصرية ورأت فيه المنقذ القادم لمصر من أتون الفوضى العارمة والتسيب الأمني، وغيرها من الأزمات التي ظل يعاني منها الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير، رفضت قوى أخرى مبدأ ترشح أحد رموز النظام السابق واصفة إياه بأنه كان لصيقا لنظام مبارك، وأن مجرد ترشحه لرئاسة الجمهورية يعتبر إجهاضا لهذه الثورة - كما ورد في بيانات عديدة أصدرتها بعض القوى السياسية. ويرى مراقبون بأن قرار ترشح اللواء عمر سليمان جاء بسبب المخاوف من السيطرة المطلقة للإخوان المسلمين على كافة مقاليد السلطتين، التشريعية والتنفيذية بالإضافة لمنصب رئاسة الجمهورية، لا سيما بعد ترشيح جماعة الإخوان المسلمين للمهندس خيرت الشاطر ولتفادي المشهد الإيراني في مصر. وإذا نظرنا من الزاوية العربية محلقين فوق المشهد الانتخابي للرئاسة المصرية، فسوف نجد أن عمرو موسى هو الأقرب لرئاسة مصر، لعلاقاته المتجذرة مع كل رؤساء وقادة العالم، كونه قضى ثلاثين عاما في مسيرته الدبلوماسية والسياسية، حيث عمل سفيرا ووزيرا للخارجية وأمينا عاما لجامعة الدول العربية. فالفترة الحرجة التي تمر بها مصر تحتاج إلى رئيس ذي خبرة طويلة وعلاقات مستدامة تمكنه من قيادة الدفة بأمان وأمانة، لأن مصر دولة كبيرة وتقع على عاتقها مسؤوليات جسام بحكم مكانتها وموقعها الجغرافي والسياسي، تستوجب خبرة ودراية تامة فيمن يقودها في الفترة المقبلة. بالإضافة إلى أن ترشيح عمرو موسى للرئاسة لم يجئ إلا بناء على رغبة أعداد كبيرة من شباب الثورة المصرية، وفي هذا الجو الربيعي لانتخابات الرئاسة المصرية لا يمكن التغاضي عن رغبة الشباب الذين صنعوا ربيع الثورة. وامتدادا للجدل الذي أثير داخليا وخارجيا حول ترشح عمرو موسى للرئاسة فى مصر، والحملة الشعواء التي يتعرض لها من الرافضين لترشحه في هذه المرحلة، باعتباره من أركان النظام القديم، إلا أنه لا يختلف اثنان على كون عمرو موسى يعتبر أشهر وأقوى المرشحين للرئاسة في مصر حتى الآن، بالإضافة إلى أن شعبيته قد تجاوزت الآفاق خلال فترة طويلة من فترات عمله الدبلوماسي الدؤوب، لما عرف عنه من مواقف حاسمة وتصريحات جريئة، خاصة عندما كان يقوم بأعباء وزارة الخارجية في التسعينيات. وبينت استطلاعات للرأي أجرتها صحيفة الإندبندنت البريطانية، أن لعمرو موسى الحظ الأوفر في الفوز بالمنصب، رغم أن الكثير من المصريين لم يتخذوا قرارا بعد، حسب ما ذكرت الصحيفة. كذلك أكد المحامي نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، على إجراء استطلاع للرأي حول دعم الأقباط لمرشحي الرئاسة، والذي أجري على عينة شملت ثلاثة آلاف شخص في كل محافظة شملت المرأة والشباب والمثقفين والفلاحين والعمال وأصحاب الأعمال من الأقباط، حيث جاءت نتيجة الاستطلاع بحصول عمرو موسى على نسبة 78% من أصوات الأقباط. ويبدو أن كفتي الميزان تتأرجحان الآن فيما بين عمر وعمرو، إذا ما استثنينا مرشحي التيارات الإسلامية، رغم أن الرجُلين قد خرجا من رحم النظام السابق، ورغم خبرتهما الطويلة في التعامل مع كثير من القضايا السياسية الحساسة والمعقدة، سيجعل فوز أحدهما مريحا للعديد من ألوان الطيف السياسي المصري، فالمصريون ليسوا مستعدين لتكرار المشهد الإيراني على الساحة السياسية المصرية وسيطرة التيارات الإسلامية على الدولة. على أية حال، ستبدي لنا الأيام ما كنا نجهل، وسيأتينا بالأخبار من لم نزوّدِ، فالشعب المصري من الذكاء بحيث يستطيع أن يميز بين الغث والسمين، وبالتالي لن تكون هناك سانحة لأي كان باستغلال هذه المعركة السياسية لحسابه عن طريق الخداع، مهما وصل به المكر السياسي، طالما أن هذه المعركة تدور رحاها في ساحة مطوقة تماما بإطار من القانون والعدالة. رئيس تحرير جريدة البننسولا [email protected]