12 سبتمبر 2025
تسجيلقرأت بإحدى المجلات منذ فترة عن سيدة تشتكي تأثرها بالكآبة التي تلازم والدتها، لأنهم أصبحوا يمنعونها من الذهاب إلى المزرعة الصغيرة التي تربي فيها بعض الحيوانات الأليفة، بسبب اعتلال صحتها ومن أجل راحتها، ولأنها كانت تعتني بهذة الحيوانات، وتقضي معها أوقاتها السعيدة، ولا تطيق الابتعاد عنها، ولذلك فإنها تصر على ألا تستمع لنصيحة أبنائها، وتظل حزينة وترفض الكلام، إلى أن يضطروا لأن يأخذوها لحيواناتها، فتتغير مشاعرها بسرعة وتدب فيها القوة ويغمرها الانتعاش، فيجدون أنفسهم حائرين بين فرحتها بلقاء الأحبة ونصائح الطبيب!!. ولاشك أن علاقة الإنسان بالحيوان علاقة لها جذور وتاريخ، بدأت منذ الأزل وتعددت أشكالها إلى يومنا هذا، فكان الحيوان هو من رافق الإنسان في حروبه الأولى، وفي تنقلاته، وفي صداقته، فهو من كان أكثر قربا، وهو من قدم خدماته على اختلافها. ولهذه العلاقة المترسخة منذ القدم إرث تاريخي من كتب وقصص وأقوال قرأناها منذ الصغر ودرسناها أيضا، كانت تعبر عن التجارب الإنسانية مع الحيوان على مر الزمن. صادفت وصديقتي في أحد الأيام سيدة أجنبية ذات مركز مرموق قالت لنا انها تخصص يوم إجازتها من كل أسبوع للذهاب إلى الحديقة المجاورة لمنزلها وتقضي ساعتين تقريبا في الإستمتاع بتغذية البط الذي يسبح في بحيرة الحديقة بفتات الخبز الطازج، وتحرص على أداء مهمتها الأسبوعية مهما كان الطقس باردا أو ممطرا، فهو يوم سعادتها كما تقول وهي هوايتها التي لا تطيق البعد عنها، ثم دعتنا لمشاركتها هذه السعادة. وبعد أن تركنا هذه السيدة ومضينا، قالت صديقتي ساخرة: وأي متعة وسعادة في تغذية البط؟! وقد تكون نظرة البعض لهذة الهواية كنظرة صديقتي، لكن الشيء المؤكد أننا يجب أن نقدر اختلاف الناس في ميولهم، وأن نحترم ذلك النوع من الهوايات، وعلاقة الود بين الإنسان والحيوان. فمن الحكايات الإنسانية المعبرة عن العلاقة الوثيقة بين الإنسان والحيوان التي سمعتها في حياتي، الحكاية التي روتها لي أمي عن إحدى جارات منزلهم القديم، للسيدة التي عاشت ومعها ببغاء كانت تقوم بتربيته، وفشلت هذه السيدة في الزواج بمن تحب، فتزوجت رجلا آخر ونقلت معها ببغاءها إلى منزلها الجديد، ولم تشأ الأقدار لهذه السيدة أن تنجب أطفالا، فتركها زوجها بعد سنوات قليلة ليتزوج بأخرى، فكانت الببغاء هي صديقتها الوحيدة التي تؤنسها في وحدتها، وهي من تتحدث معها، وتضحك وتأكل معها، وحتى عندما كانت تزورها بعض جاراتها، كانت الببغاء هي من تستقبلهن وتشاركهن الجلوس في المكان والضحك أيضا، وقد كان بيت هذه السيدة وحياتها متواضعة جدا، والمحزن أن الحياة انتهت بها إلى فقر شديد، مما جعلها تضطر لبيع كل شيء في منزلها، فأصبح خاويا من أي شيء، لكنها رفضت أن تبيع أغلى ما كانت تملك حينها وهي ببغاؤها الحبيبة، والتي كانت أثمن ما في البيت، فهي من شاركتها آلامها ومراراتها وأحزان لياليها، وهي من بقي في حياتها بعد أن تخلى عنها وخذلها الآخرون من حولها. وما هذه السيدة إلا صورة لمجموعة صور تتكرر في الحياة لعلاقة الإنسان بالحيوان. إنها هواية يجب أن نقدرها عند من يهواها، كما أن فيها الكثير من تحمل المسؤولية، والكثير من إطلاق المشاعرالإنسانية. أحب مقولة أحد كبار العلماء النفسيين الذي قال: "ليست الحيوانات الأليفة في حياتنا لكي تكون حياتنا حلوة، نحن لدينا حيوانات أليفة لأننا نحتاج إليها". [email protected]