19 سبتمبر 2025
تسجيلأصبحت العناصر التي كانت تُعدُ من الكماليات بالنسبة للأجيال السابقة، مثل ملكية المنازل والسيارات الخاصة وقضاء العطلات في الخارج، من الأمور الشائعة لدى الأسر التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في العديد من الاقتصادات خلال العقود الأخيرة، بما في ذلك منطقة الخليج العربي. وقد انعكس هذا الاتجاه بشكلٍ جزئيٍ خلال السنوات الأخيرة، وينطبق هذا الوضع بشكل كبير على ملكية السيارات الخاصة. وتبرز إحدى الإحصائيات من الولايات المتحدة الأمريكية أن المدفوعات الشهرية لصفقات تمويل السيارات الجديدة متوسطة المدى قد ارتفعت من حوالي 400 دولار إلى أكثر من 750 دولارًا بين عام 2019 وأوائل عام 2023، وحتى أن تكلفة اقتناء سيارة ثانية بحالة جيدة ستتجاوز 500 دولار شهريًا. علاوة على ذلك، يأتي هذا في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة والتضخم في السلع والخدمات الأخرى. إنه اتجاه عالمي، لا يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية، ويتبع مزيجًا من اضطرابات سلسلة التوريد ونقص الرقائق والتضخم على نطاقٍ أوسع منذ عام 2020. وفي بداية تفشي جائحة كوفيد-19 في عام 2020، تراجع الطلب على السيارات بسبب إجراءات الإغلاق، وكان لدى مصنعي السيارات مخزون كبير، وقدموا خصومات مرتفعة. كما حدوا من مستويات الإنتاج، لكن الطلب انتعش بعد ذلك بسرعة أكبر من المتوقع وأدى التوسع في الإنتاج إلى حدوث مشاكل في سلسلة التوريد. وكان النقص في الرقائق الدقيقة ملحوظًا للغاية، حيث أصبحت السيارات الحديثة مؤتمتة بشكل متزايد، إذ تتميز بوجود حوالي 100 متحكم دقيق. وتشكل تايوان والصين مراكز التصنيع الرئيسية للرقائق الدقيقة، وقد تم إغلاق المصانع لفترات طويلة بسبب الجائحة. كما ارتفعت أسعار العناصر الأخرى في سلسلة التوريد مثل الشحن، والخدمات اللوجستية، والعمالة والكهرباء. وكانت هذه المجموعة من العوامل هي التي دفعت أسعار السيارات الجديدة إلى الارتفاع بشكل حاد بين عامي 2020 و2022. وبالتالي، ارتفعت أسعار السيارات المستعملة أيضًا بنسبة 20٪ في الإمارات العربية المتحدة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022 على سبيل المثال. وفي بداية عام 2023، بات من الممكن بيع بعض أنواع السيارات التي تكون بحالة ممتازة في قطر بنفس سعر شراء السيارة الجديدة خلال الأيام الأولى من تفشي جائحة كوفيد-19. هذا وضع غير مسبوق في قطاع معروف بانخفاض الأسعار مع الاستعمال. وبحلول بداية هذا العام، ومع انتهاء إجراءات الإغلاق واحتمال وصول مستوى التضخم إلى ذروته وتراجع النقص في الرقائق، كان هناك بعض المؤشرات على أن أسعار السيارات ستنخفض أو ستصل على الأقل إلى مستوى ثابت. ولكن ما حدث أيضًا خلال هذه المرحلة هو أن كبار مصنعي السيارات قد حققوا ارتفاعًا في الأرباح، وهناك دلائل على أنهم حريصون على الالتزام بنموذج العمل المعدل للحفاظ على انخفاض المخزون وتحقيق هوامش ربح مرتفعة. وقد ذكر ذلك كبار المصنعين مثل فورد، وتويوتا ونيسان، بحسب وكالة بلومبرج. وقد انخفضت المخزونات من حوالي 60/100 يوما قبل انتشار الجائحة إلى حوالي نصف هذا الرقم بحلول أوائل عام 2023. وتتمثل الفائدة الإضافية للشركات المصنعة من جراء ذلك في خفض تكلفة التخزين. لذلك، رغم انخفاض مبيعات المركبات الخفيفة سنويًا في الولايات المتحدة من حوالي 17 مليونا إلى 14 مليون سيارة خلال الفترة من عام 2019 إلى عام 2023، إلا أن شركات صناعة السيارات حققت هوامش أرباح أعلى، مما يشجعهم على إبقاء الإنتاج بأعداد أقل وهوامش ربح أعلى. وتوفر هذه الظروف إغراءات للمنافسين منخفضي التكلفة لمحاولة الحصول على حصة في السوق، وتمثل بعض السيارات المصنعة في الصين عامل جذب منخفض التكلفة. وهذه السيارات ليست رخيصة بالمعايير التاريخية، لكنها مع ذلك، اكتسبت شعبية متزايدة في قطر ودول الخليج الأخرى، حيث تقدم جودة عالية ومواصفات مرتفعة بحوالي نصف سعر السيارات الألمانية أو اليابانية الأكثر شهرة، رغم ملاحظة أن سعرها في قطر أعلى من الدول المجاورة بنسبة 10%، وذلك لسيارة بنفس المواصفات والضمان. وقد يكون ارتفاع سعر السيارات في قطر مبنيا على أن الكمية المباعة أقل من الأسواق المجاورة (بسبب حجم السوق المحلي) والحاجة إلى تحقيق ربحية أعلى لتغطية التكاليف. وهناك أيضًا مشكلة تتعلق بتنظيم السوق، حيث ان هناك سوقًا "رماديةً" يستطيع بعض تجار السيارات المستعملة من خلالها شراء سيارات جديدة بكميات كبيرة من الوكيل المحلي في الدولة أو الدول المجاورة، مما يؤدي إلى الاحتكار ووجود السيارة لدى هؤلاء التجار وبيعها للمستهلك بهامش ربح مرتفع قد يتجاوز 30% من سعر السيارة الأصلي لدى الوكيل، خاصة في بعض أنواع السيارات الفارهة أو المطلوبة بشدة لدى المستهلك المحلي. وهناك الكثير من الخطوات التي اتخذتها الدول المجاورة للحد من الأثر على المستهلك وحمايته، عن طريق زيادة الرقابة على سياسات البيع، وزيادة الشفافية بنشر الأسعار وكميات السيارات المستوردة وتاريخ وصولها، وخطوات أخرى يجب على الجهات المعنية في الدولة دراسة تطبيقها في السوق المحلي لحماية المستهلك مع عدم الإضرار بالسوق المحلي واستقرار القطاع الخاص. ولعقود طويلة، كان سوق السيارات مستقرًا نسبيًا، حيث أظهر ارتفاعات مطردة في المبيعات والأسعار على مستوى العالم بما يتماشى مع صعود الطبقة المتوسطة في العديد من الدول. وقد أدى تفشي جائحة كوفيد-19 بالإضافة إلى مشاكل سلسلة التوريد ذات الصلة والجهود الرامية لخفض الانبعاثات إلى حدوث تغييرات كبيرة خلال السنوات الأربع الماضية تجاوزت التغييرات التي حدثت خلال العشرين عام الماضية. وهناك اتجاهات ثابتة تشير إلى تزايد عمليات الأتمتة والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، ولكن من المرجح أن تكون الأسعار وديناميكيات السوق مضطربة وغير متوقعة على المدى المتوسط.