11 سبتمبر 2025
تسجيلكان ياماكان في زمان ليس ببعيد من الآن، كان هناك رجل يدعى أبا راشد، وفي يوم جميل مشرق به قليل من الغبار، وبينما كان بوراشد يقود سيارته في قريته النائية والتي تبعد عن المدينة الكبيرة قرابة العشرين فرسخ (الفرسخ الواحد أقل من 6 كيلومتر تقريبا)، يتفاجأ «بوراشد» بصوت نغمة تخرج من هاتفه المحمول لتعلن عن استقبال رسالة ما، فيمد يده الى جيبه ليخرج هاتفه المحمول كي يقرأ ما جاءه عبر أثير الاتصالات اللاسلكية، فيجد انها رسالة نصية قصيرة من احدى الوزارات فحواها التالي « الطلب رقم 00020 محجوز للقرار بتاريخ كذا بمكتب ادارة فض الهوشات». أغلق بوراشد الرسالة وبدأ في عصر ذاكرته محاولةً منه معرفة ما هو موضوع هذه الرسالة المبهمة، فالرسالة لم توضح ماهية الطلب ولا الدعوى، وفي النهاية قرر ان يتهور ويتصل بمركز الاتصال الخاص بهذه الوزارة املًا في فك طلاسم هذه الرسالة اللغز، فحسب معلوماته وبناء على ما يراه ويتابعه في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ووسائط التواصل الاجتماعية بأن هناك توجها للحوكمة الالكترونية التي ستختصر الوقت والجهد وستساهم في توفير الرخاء والراحة للمواطن والمقيم. وبالفعل اتصل بوراشد بمركز الاتصال الخاص بهذه الوزارة الخدمية الكبيرة والعريقة والقديمة قدم الزمن، وبعد ان قام بوراشد بالضغط على اكثر من رقم خلال اتصاله للتخلص من الرد الالي والوصول لمن يمكن ان يتحدث اليه من البشر، أتاه صوت موظف مركز الاتصال «مرحبا معاك محمد كيف ممكن اساعدك» رد بوراشد « السلام عليكم هلا محمد من فضلك وصلتني رسالة من وزارتكم ولا عرفت شلموضوع»، رد موظف الاتصال بكل لباقة واحترام «حياك الله ممكن اتعرف باسمك ورقم جوالك «، يرد بوراشد « اسمي بوراشد ولد راشد ورقمي نفس الجوال اللي اكلمك منه»، يرد الموظف « طيب ايش مكتوب في الرسالة»، يسرد بوراشد محتوى الرسالة لموظف مركز الاتصال فيرد عليه الموظف « والله يا اخ بوراشد ما يبين عندي شي في النظام فلازم تراجع إدارة فض الهوشات»، يبدأ الغضب وعدم الارتياح بالتسلل الى أعصاب بوراشد فيقول للموظف «ياخوي انا خارج المدينة ويبغيلي اضرب مشوار ساعة علشان استفسار بسيط، ممكن من فضلك تحولني على الإدارة المختصة علشان اسألهم؟»، يرد موظف الاتصال بكل برود وباحترام ولباقة أيضا «آسف اخي ما عندي أي أرقام للإدارات»، هنا يبدأ بوراشد في فقدان بعض من اعصابه التي يحاول ان يمسكها قدر المستطاع فيقول « يا أخي هل معقول مركز اتصال ما يقدر يحولني الى أي إدارة عيل شلون مركز اتصال، طيب من فضلك حولني على العلاقات العامة او عطني رقمهم «، يرد الموظف « اسف اخي غير ممكن، انا مجرد اني ابعث واستلم ايميلات فقط «. لم يستطع بوراشد التحكم برباطة جأشه اكثر من ذلك فيقول لموظف الاتصال « يا أخي انا مواطن ومن حقي التحدث مع أي موظف مختص بشأن يخصني لأن شغلتهم هي خدمة المواطنين، تدري شلون حولني على مكتب الوزير، لأنه مش معقولة علشان استفسار ما الاقي حد يكلمني ولازم اراجع كل إدارة بنفسي، عيل ليش حاطين مركز اتصال وليش مكاتب الموظفين والمدراء مليانة بالتلفونات الأرضية على كل مكتب، يعني لو افترضنا مسكت خط اكثر من ساعة وراجعت هل الإدارة علشان استفسر عن موضوع ماراح يستغرق الإجابة عليه اكثر من دقيقة، وطلع ان الرسالة واصلتني بالخطأ من يعوضني التعب والجهد هذا كله», يرد موظف الاتصال « والله ياخوي هذا النظام الان لمركز الاتصال، احنا مجرد نرد على المراجعين واذا مانقدر نجاوب على استفساراتهم نرسل ايميل للإدارة المختصة وهي تتواصل مع المراجع او تعطينا الرد ونقوم احنا بالتواصل معه وابلاغه بذلك، النظام القديم ان البدالة تحول المراجع للتحدث للموظف او الادارة تم الغاؤه». يبدأ بوراشد في اخذ شهيق وزفيرعميق حتى يجعل الاكسجين يصل الى جميع خلايا مخه حتى يستطيع التركيز في المحادثة فيقول « طيب من فضلك ارسل ايميل لهم خلهم يتواصلون معاي» يرد الموظف « ان شاء الله لحظات,,,, خلاص راح تصلك رسالة نصية فيها رقم الطلب وراح يتواصلون معاك ان شاء الله، أي خدمات أخرى ممكن اخدمك فيها «، يرد بوراشد « شكرا مع السلامة» وينهي المكالمة. وحتى تاريخ كتابة هذا المقال لازال بوراشد في انتظار تواصل احد من إدارة فض الهوشات او من العلاقات العامة في الوزارة المعنية والذين من العجيب والغريب أنهم يرسلون استبيانا الكترونيا لتقييم تجربة التواصل بعد كل اتصال من المراجعين والذي يبدو انه مجرد اجراء ليس له علاقة في تطوير الخدمات. وختاما أقول: يقولون إنه من السهل أن تجد «الفقع» في الصيف ولكن من الصعب أن تتواصل بالهاتف مع إدارة خدمية وتجد من يرد عليك.