19 سبتمبر 2025
تسجيلفي مرحلة سابقة لم يكن المجتمع يرى تعارضا بين عروبته وبين إسلامه كما نرى اليوم، رغم الوضع الاقتصادي الضعيف والمحدود، لم يكن الأفراد يرون أن ثمة مدعاة لفهم الدين ونصوصه فهما متطرفا، إذا ذكرت أمام شباب اليوم أنك تؤمن بالعروبة كفكرة سياسية وحامل ثقافي، تبادر إلى أذهانهم تماما أنك ضد الإسلام، وإذا أسبلت ثوبك وأطلت لحيتك فذلك دليل على أنك ضد العروبة أو القومية العربية بالأحرى. هذا الانقسام الخطير لم يكن قائما عند أولئك الأوائل وكبار السن من ذلك الجيل و معظمهم تبنى الفكر القومي وآمن به وهم أئمة مساجد، آمنوا بأن إسرائيل هي العدو الحقيقي للأمة، حتى أوضاعهم كانت أفضل داخل أوطانهم كمواطنين حيث كان للمجتمع ذاته آليات دفاع عما يعترضه من أخطار وصوت مسموع لأفراده لدى الدولة، كنت أشعر أن ثمة يسارا وطنيا كان موجودا كل ذلك بفعل التأثير الإيجابي لعدم الخلط لدى أفراد المجتمع بين القومية و الدين وعدم وضعهما في تقابل وتعارض ينقسم على أثره المجتمع. كنا نخرج بعد صلاة العصر من المسجد لنجتمع في المجلس الذي كان يشبه إلى حد كبير المنتدى السياسي اليوم، لم يكن الإسلام قد اختُطف، ولم تكن القومية قد اختلطت في عقول البعض بين كونها "فكرة" وبين تطبيقاتها. كانت نظرتهم إلى المشروع هي الأساس وليست النظرة إلى الأفراد، حتى بعد الهزيمة لم يسقط المشروع من أذهانهم، كما نرى اليوم من عملية تفتيت لم يسبق للأمة أن شهدتها عندما وضع الدين في تعارض مع القومية الفطرية التي أوجدها الله في الشعوب. ما عايشناه كان يدحض فكرة أن التطرف سببه الحالة الاجتماعية، فمستوى المعيشة الاقتصادي في فترة الستينيات كان منخفضا، عندما كان الخطاب الديني معتدلا لا يخرج خارج نطاق أمن المجتمع وسلامة أبنائه وصيانة قيمه، كما كان دور المجلس تنظيميا على درجة عالية من الكفاءة حيث التراتبية في السن أكثر وضوحا، ولا يوجد للشباب مجالس بعيدا عن مجالس آبائهم، ولا ننسى دور التعليم الذي كان يتفق تماما مع التكوين الاجتماعي والسياسي والديني لأفراد المجتمع، فتنشأ الأجيال وبينها رابط من قيم التفكير يختلف في الدرجة وليس في النوع، لذلك كنا نلحظ وعيا اجتماعيا مختلفا عن ما نشهده اليوم، أعرف حالات كثيرة تحرك فيها أهل قطر انطلاقا من المجلس لمساعدة محتاج أو طالب عون أو مريض، أو وقوفا في وجه تجاوز قد أضر بأحدهم. سجل أهل قطر مع حكامهم كان الأنظف والأنقى في تاريخ المنطقة عموما فأسلوب الطلب والاستجابة كان يقوم على الثقة وبوتيرة واحدة إلى حد كبير، هذه اللحمة دلالة على التحام لم يكن يشكل تناقضا في وعي الأفراد حتى إن من لم يكن يحافظ على الصلاة كان يستوعبه المجلس، سعة أفق نفتقدها اليوم. [email protected]