11 سبتمبر 2025
تسجيلنحن بنو البشر وقبل أن ننتمي لأي ملة أو وطن، نشترك فيما هو أعظم من كل شيء، وهي الإنسانية،التي إن وصلت لذروتها عند كل من يعيش على هذه الأرض فسوف نبقى نعيش في سلام وحب ورحمة، فما أروع أن تحرك إنسانية الإنسان كل حياته فيضمن سعادته وسعادة من حوله. هناك أشياء أفكر فيها دائما وتحدث معي خلال سفري إلى أماكن متعددة في هذا العالم خاصة حين أسافر للغرب خاصة، ولم أبح بها لاعتقادي دائما بأنها قد تكون مدعاة للضحك أوالسخرية،إلا أن حكاية (ماريا) قد اجبرتني للبوح بها على الملأ. ففي كل مرة أسافر فيها وعندما أرى أشخاصا وقد وصلوا إلى مرحلة الكهولة من رجال أو نساء وعندما أراهم يتنقلون في وسائل المواصلات المختلفة، أو يمشون بثقل وتعب في الشوارع، أجد نفسي لا شعوريا وأنا أطرح على نفسي الأسئلة، فعندما أرى مثلا سيدة طاعنة في السن لا تكاد تمشي وقد ارتدت ملابسها التي تتألف من مجموعة من القطع كالبنطال والقميص والمعطف والجورب والحذاء أتساءل: كيف استطاعت أن تلبس كل تلك الملابس وحدها؟ ومن قام بكيها وترتيبها؟ ثم أجدني أحدق في الحذاء، وأتساءل بأهم سؤال يحيرني دائما وهو: من يا ترى الذي ربط لها خيوط الحذاء؟ فأشعر بالضيق والكآبة رغما عني في كل مرة، ربما لأني أعرف أن الكثير من هؤلاء المسنين في الغرب يعيشون وحدهم في منازلهم، ولا أستطيع إلا أن تراودني هذه الأفكار حيال كل من أراهم وقد صلوا لذلك الضعف في ذروة خريف العمر. وما حدث مؤخرا أن أحد أقاربي من الطلاب روى لي قصة تجربته حين ذهب للسكن عند احدى العائلات الإنجليزية خارج العاصمة لندن للإقامة واكتساب اللغة، فكان يسكن عند سيدة تدعى (ماريا)، وهي تنحدر من سلالة إحدى العائلات الإنجليزية العريقة والغنية، أما زوجها فهو يشتغل كعامل في احدى المؤسسات، وقد خرج عنها أبناؤها حين كبروا، واختار كل منهم حياته الخاصة. وكانت ماريا تستمتع بعملها التطوعي الذي اختارته مع بعض السيدات كي يكون مسؤوليتها وعملها الأساسي حتى تنتهي حياتها، وهو أن تصحو كل يوم في الصباح الباكر وتذهب إلى مجموعة من المسنين الذين يسكنون الحي وليس لهم من يساعدهم، فتساعدهم في إفطارهم وتنظيف منازلهم، وترتيب ملابسهم في الخزانات، وبالطبع ربط خيوط أحذيتهم إن لزم الأمر خروجهم لقضاء احيتاجاتهم وحدهم. غمرتني السعادة وفرحت كثيرا حين عرفت قصة ماريا، أحببت إنسانيتها، أحببت ماريا كثيرا دون أن أعرفها أو أراها، فقد جعلتني أشعر بنوع من الأمان والسعادة حين أتذكر أن العالم ولابد مليء بأشباه (ماريا) ممن تفوق إنسانيتهم كل شيء، وممن يقدمون الحب والعطف دون مقابل فقط لأنهم يمتكلون قلوبا تملؤها الإنسانية وحب الخير. شكرا ماريا لأنك أجبت عن ذلك السؤال الذي طالما حيرني، فأخيرا عرفت من الذي ربط خيوط الحذاء..