مسلسل "العَقار"

جلست ميثا وهميان ومرزوقة يتناولون إفطار الصباح اثناء العمل في "وزارة ما"،"وفي بلد ما"، وقد "فرشن سماطًا (مايوضع تحت الاكل)" طويلا على احد المكاتب لحمايته من ان تتساقط عليه فتات الأطعمة التي سيقتاتون عليها ويتناولونها "كريوق" خفيف يقمن به صلبهن على الاعمال المكتبية الشاقة والتي تتلخص في ادخال بيانات معاملة او معاملتين في اليوم، وطبعا لا بد ان يصاحب هذه الوجبة الصباحية الكثير من القيل والقال " والحش والعقار"، وللتوضيح عزيزي القارئ بأن ليس المقصود "بالحش والعقار" هو قطع حشائش حديقة عقار ما، وانما هو الغيبة والنميمة باللهجة الشعبية، ودعونا نسترق السمع لنتعرف على اهم اهتماماتهن وتطلعاتهن، فهيا بنا. قالت ميثا وهي تستعد ان "تنجل في حلجها (أي تضع في فمها)" حبة من الفلافل وقطعة من الباذنجان المقلي وقليلا من الشبس "البطاطس المحمرة" وقد رشت عليهم خلطة الطحينة والثوم ولفتهم جميعا بقطعة صغيرة لا تتجاوز راحة اليدين من الخبز الأسمر "يعني دايت"، قالت ميثا " مرمر (تدلع مرزوقة) شفتي امس ام ناصر شمسويه في عرس ولدها "، ردت مرزوقة بسرعة وهي بالكاد ان تقوى على الكلام من اللقمة التي في فمها " ويييه (يا ويلي) الهول ولامنكر (مصطلح شعبي يقصد به الاستنكار) بصراحة ماعندها سالفه البارحة ما خلت ولا بقت (أي لم تترك او تبقي على شيء) "، قاطعت هميان "مرمر"، عفواً مرزوقة وقالت لها " الله يهداكم انتوا مافيه شي يعجبكم، المره (أي المرأة) مستانسه بعرس ولدها وعليها بالعافيه، بالعكس الا الكل عجبهم ترتيب الحفلة"، وقبل ان ترد ميثا على هميان لتوضيح سبب استنكارهن، يأتي صوت طرق على شباك صغير مغلق وكأن هناك من يقف خلف هذا الشباك، فتقول هميان " وييه شهل البياخه من اللي متفرغ وياي اللحين، ميمي "دلع ميثا" الشيخه قومي صرفيه خلنا نخلص فطورنا "، فتقوم "ميمي" وتفتح الشباك قليلا ثم تقول " نعم"، فيأتي صوت من خلف الشباك " من فضلج ممكن تخلصين هل المعاملة"، فترد الموظفة بعد ان اخذت أوراق المعاملة " زين تعال باجر (غداً)"، فيرد المراجع " الشيخة مايصير تخلص اليوم، انا بس محتاج ختم وتوقيع، وأحنا تونا الساعة 9 "، فترد الموظفة النشيطة " مايصير اخوي لازم نراجعها وبعدين نعتمدها مرنا باجر"، فينصرف المراجع وهو يشكو ضعف قوته، وقلة حيلته لله. ترجع "ميمي" مسرعةً الى سفرة الطعام وتقول " الله يهدي المراجعين كله مستعيلين (مستعجلين)، شفرقت اليوم من باجر"، تؤيد هميان كلام ميثا بقوة فتقول " أي والله يا اخويتي (تصغير اختي) كلن مستعيل على ما ميش (أي لا شيء)، المهم ترى فستان ام ناصر امس انا شفتها لابسته من قبل "، "تبلق" (التبليق أي فتح العينين بشدة قد يكون من التعجب او الغضب) مرزوقة وميثا عيناهما ويتمتمان بكلمات مختلفة جميعها تدل على الاستغراب والتعجب، فتقول مرزوقة " احلفي انج شفتيه عليها من قبل، ما اصدق، هذي (تقصد ام ناصر) كله تفوشر (تفاخر او تباهي وممكن ان تأتي بمعنى الكذب) علينا ان فساتينها من لندن وباريس وما تلبسها الا مره وحده "، تشارك ميثا في حفلة "العقار" وتقول "وانتي ياربج مصدقتها، اصلن اهي ماعندها الا المفوشر والهياط ". يستمر مسلسل "الحش والعقار" حتى نهاية الدوام الرسمي حيث يهرعن جميعا الى بيوتهن يملأهن الفرح والسرور على أمل اللقاء غدا لتبدأ حلقة جديدة من مسلسلهم اليومي. وختاما أقول: قال تعالى في سورة الحجرات الآية 12 (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)، ويقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه " َلمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقومٍ لهُمْ أَظْفَارٌ من نُحاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ، فقُلْتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال: هؤلاءِ الذينَ يأكلونَ لُحُومَ الناسِ، ويَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِمْ". حديث صحيح أخرجه أبوداود.