11 سبتمبر 2025

تسجيل

استمرار الاحتجاجات العربية على أوضاعها المتردية

12 فبراير 2020

الاحتجاجات الجماهيرية العربية بلغت أعلى مستوياتها هذه الايام تحت حجج متعددة وأهمها أوضاعها المعيشية المتردية وحياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل ذلك ليس على ما فات من الاهمال ولكن على ما أخذت تتمتع به معظم شعوب العالم من الحرية والحياة الكريمة في الوقت الذي ما تزال تحرم منه غالبية شعوبنا العربية والتي لا تتذكر مثل هذا الحرمان إلا في مواسم شديدة الحرمان أكثر من أي وقت مضى. مما يعنى ان شعوب العالم عانت في السابق ولكنها الآن تغيرت الى الافضل بعد أن تغيرت سياسة أنظمتها عن السابق في حين ظلت وما تزال تشهد العديد من عواصم المدن العربية الكبرى في مواجهاتها الدموية والتي غالبا ما تؤدي الى فقدان الارواح والمزيد من الاصابات بالجراحات الخطيرة جراء هذه الاضطرابات التي تسببت في خسائر بشرية ومادية وتشهد المنطقة العربية اضطرابات الجماهير الشعبية والحكومات والتي يرجع سببها الى الفقر الشامل لشعوبها وعدم الاستقرار لفترة طويلة وربما تصل الى سنوات ويرجع الى عدم جدية نظرة الانظمة الى أسباب قيام هذه الاضطرابات التي يرجع معظم حدوثها الى تفاقم الفقر المدقع على غالبية المواطنين العاديين. وتسببت هذه الاضطرابات في المزيد من التخلف والفقر وعدم الترابط الاجتماعي بين شعوبها نتيجة تعنت السلطات في هذه الدول بعدم الاهتمام والرعاية الواجبة لحقوق المواطن مما جعل الشكاوى من الظلم والقهر والاستبداد داعما أساسيا لهذه الاضطرابات القائمة والتي أصبحت شبه موسمية لا تذكر إلا في مواسم معينة بغض النظر عما يعانيه المواطن من الظلم والحرمان الدائمين، وفي الوقت الذي لا يهتم القائد أو المسؤولون بما يعانيه المواطن العادي. ودائما تطرح هذه الاحتجاجات والمظاهرات العربية المطالبة بالديمقراطية والحرية وحفظ حقوق الانسان بعد ان أصبحت هذه الاحتجاجات الموسمية تقليدية للاخرين في مختلف دول العالم والحقيقة أنها أصبحت موسمية هزلية غير ذات معنى في المنطقة العربية يستحق الذكر والدليل ما يسمعه الناس من هذه الحشود الكبيرة في الساحات وميادين مدن الدول العربية الكبرى وهي تطالب بالديمقراطية عندما تتذكرها خلال المظاهرات الجماهيرية ونسيان وعدم ذكر هذه الديمقراطية بعد نهاية تلك الاضطرابات ولسنوات غير محددة. ورغم التجارب المريرة وعواقبها المزرية في الحياة العادية ومعيشتها المتخلفة ها هي الآن تشهد أهم البلدان العربية منذ شهور طويلة صراعات محزنة بين الانظمة وشعوبها المعذبة بعجز انظمتها جميعها عن التحرك الايجابي، كما تعمل معظم حكومات الارض في تخليص شعوبها من التخلف والانتقال الى تطويرها للافضل من خلال سن أنظمة وقوانين عادلة والالتزام بتطبيق هذه القوانين في حياتها العادية لمصلحة الامة. وها هي كل هذه الشعوب تعاني وتصارع أنظمتها من أجل تحقيق مطلب واحد وهو ترسيخ نظام للعدالة الاجتماعية والتمسك به وتنفيذه بحزم بعيدا عما يسمى بالواسطات والمجاملات للبعض مهما كانت الاسباب والمسببات ومن خلال نظرة قصيرة الى العديد من دول العالم سوف نجد أنها قد رسخت قواعد وقوانين أنظمتها دون مجاملة وفي مختلف المستويات تنفيذا لواجب الانظمة تجاه مواطنيها. وليست معيبة ومتخاذلة فقط أن تقف هذه الدول موقف المتفرج على تطورات الاوضاع في بلادها ولكنها وصمة عار قاسية وثقيلة على أهلها الذين يعيشون أوضاعا متنافرة بين جاد في إخماد الفوضى وترسيخ النظام وبذل الجهود الى الانتاج والقضاء على الفقر بجميع أشكاله والفوضى الشبابية التي تترك الجنون ينمو ويتطور بين شباب الامة ولكنها تقاعس وخمول وعدم الاهتمام بما يضر ويؤدى الى الضياع واهتمام تدفعه المسؤولية الاجتماعية الحريصة على تطوير البلاد على الاسس الصحيحة وفي النهاية المثمرة والمؤدية الى الفائدة العامة بين كافة أطراف المجتمع. وفي ظل هذه الفوضى المتخلفة الطويلة كان الأمل ان تصرف جهود ودماء البعض وآلامهم في مثل هذه المطالبة لسعي الجميع وبإصرار في الضغط على النظام للقيام بوضع قانون شامل للشعب لحفظ حقوقه المدنية والاجتماعية والالتزام به من كافة أبناء البلاد من الرئيس الى أبسط مواطن في المجتمع ويكون ذلك بداية في تقليد الغرب حول العدالة الاجتماعية بين أفراد مواطنيه بعيدا عن خلق فئات وجماعات متميزة على غيرها في النصب والاحتيال ووضع نفسها باسم الحقوق والواجبات الوطنية فوق الجميع. ان الدول الغربية ذات الانظمة الديمقراطية تنعم الآن بهذه النظم التي قضت على التفرقة الاجتماعية وقضت على أنصار /‏الأنا/‏ والبعيدة عن المواطن العادي ودعمت وتوجت أنصار الشمولية العادلة وبكل فخر واعتزاز ورفعت مكانة ومستوى المواطن بين مواطني العالم واتاحت الفرص لكل مواطن ان يعتز بوطنه ونظام وطنه وبنفسه كإنسان له مكانته بين مواطنيه وسكان بلاده والعالم. ولتحقيق مثل هذه الامنيات أو الادوات في أي مجتمع في العالم هي في الحقيقة: السلاح الاقوى فاعلية على مستوى العالم والذي يساعد وبشكل فعال في التطور الاجتماعي والسلاح الفعال في تحقيق النمو الاقتصادي والذي سوف ينعم به مثل هذا الشعب المستحق لمثل هذه الوسائل العلمية والتعليمية التي حققتها له قيادته الرشيدة بعيدا عن /‏الأنا/‏ التي تضم مجموعة الظلم المتسلطة بالقوة في المجتمع. ورغم هذه التطورات الاجتماعية في معظم مجتمعات العالم إلا ان المأساة العربية تظل في المواجهات والقتل والدمار للارواح والممتلكات تتواصل منذ أزمنة طويلة وإذا كانت في بعض الاوقات ضد الانظمة بسبب ظلمها فإنها حاليا ضد جماعات من بعضها البعض بسبب محاربة العدالة وعدم الاعتراف بهذه العدالة بين أفراد المجتمع الذي يعمل من أجل تحقيقها منذ زمن بعيد ولكنه لم يصل الى نتائج مرضية رغم سعيه المتواصل. وفي العديد من العواصم العربية وأهم المدن الكبرى في هذه العواصم تزداد حدة الصدامات والمواجهات العدوانية يصل بعضها الى الانتقام الموروث بسبب عدم الوصول الى النتائج المطلوبة وكأن العمل في هذه المجالات محرم وغير مشروع مع العلم ان الانجاز في هذه المجالات الاكثر فائدة على المدى الطويل والقصير هو المستقبل المضمون لجميع المواطنين. ومن خلال وقفة تأمل بسيطة يجد الانسان ان الوضع العربي العام فريد من نوعه من حيث هامشية النظام السياسي في معظم تلك البلدان. ففي وقفة احتفالية بمناسبة وطنية بتتويج الرئيس يتغافل الشعب عن وضع قانون وطني عام يتضمن مثل ذلك القانون الحفاظ على جميع حقوق المواطنين المادية والاجتماعية بما يعني كرامة كل مواطن في وطنه وعلى كافة المستويات القيادية والشعبية. والاهتمام بمثل هذه اللوائح الوطنية من حيث شموليتها وتطبيقها على الجميع يصبح الشعب ناضج الوعي السياسي وبعيدا عن الغوغائية وقريبا جدا من الاخلاص التام لحقوق الوطن الاجتماعية فإن مثل هذا الشعب العربي أو غير العربي يكون قد بلغ النضج التام والمستوى الذي يجعله يترفع عن المظاهرات والفوضى في الشوارع للمطالبة بحقوق المواطن وحقه القانوني لدى السلطة في حين ان السلطة لم ولن تحسب حساب مثل هذه الواجبات. في بلدان الديمقراطية الحقيقية يستحيل قيام مظاهرات واحتجاجات على بعض الحقوق الوطنية وإنما تقوم المظاهرات هناك في حال قيام الدولة بإلغاء قانون معين كان قد تم الاتفاق عليه سابقا بين الشعب والسلطة نظرا لشمول فائدته الوطنية وليس كما هو الحال عربيا حيث يقبل الشعب كل الاجراءات الحكومية في وقت الصلح مع السلطة ووقت الخلاف بين الشعب والسلطة تقوم القيامة وتشتعل الفوضى من قبل الجماهير دون أسس وقواعد تؤدي الى فائدة شاملة. ومن خلال التمعن والتركيز على هذه الاحتجاجات والمظاهرات لبعض الجماعات العربية يعتقد الانسان أنها ثورة على ظلم النظام تجاه شعبه ولكنه عندما يسمع تبرير المتظاهرين على احتجاجاتهم وما يتمخض عن ذلك من التكاليف البشرية والمادية يشعر بالاسف من أن هذه الاحتجاجات والمظاهرات أصبحت شبه موسمية ولكنها عديمة الفائدة في نتائجها منذ زمن بعيد نظرا لعدم قيامها على أسس قانونية ترعى مصالح الجميع.