13 سبتمبر 2025

تسجيل

ما بعد انتصار الشرعية في اليمن

12 فبراير 2016

تقترب قوات الشرعية والمقاومة – مدعومة بالتحالف العربي- من تحرير العاصمة اليمنية صنعاء. المعركة تحتاج بعضا من الوقت يقصر أو يطول بهذا المعنى أو ذاك، كما أن معركة تعز تظل العنوان الحقيقي للانتصار النهائي ولإعلان الحسم في هذه الحرب. وسواء سبقت صنعاء تعز في التحرر من ظلم القرون الوسطى الذي أرسته ميليشيات الحوثي مستندة إلى استبدادية صالح وأعوانه، أو تقدمت تعز على نحو مفاجىء – منهية الحصار الإجرامي الذي تعيشه - لتجعل تحرير العاصمة واقعاـ حتى إن تأخر إعلانه.سواء جرى هذا السناريو أو ذاك، فالأمر الأهم الذي يجب أن يشغل دوائر البحث والفكر والتخطيط الاستراتيجي، الآن، هو كيف تجرى أوضاع اليمن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا – وثوريا- ما بعد حسم المعركة وإعلان التحرير، إذ العمل العسكري الحالي ليس إلا عملا عنيفا غايته تحقيق الهدف السياسي في إنهاء الانقلاب أو دحره. أما تثبيت سلطة الحكم الانتقالي التي انقلب عليها الحوثيون وصالح، ومحتوى الحركة السياسية الداخلية وطبيعة العلاقات بين المكونات اليمنية المعقدة كتضاريسه، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية التي خربها الحوثيون وصالح قبلهم - والحرب من بعد - وموقع الجنوب في إدارة البلاد وموقع ما تبقى من حزب صالح وما يتبقى من الحوثيين..إلخ، فتلك جميعها قضايا، يجب ألا تترك لوقتها، إذ مراحل ما بعد الحرب أصعب من الحرب ذاتها، كما أن مشروعية الانتصار على الانقلاب ستتبدد سريعا، إذا لم تكن هناك خطط محددة واضحة أو لنقل فلسفة مدققة لإدارة البلاد.يبدو مهما التذكير من الآن، بأن أحد أخطر نواتج الحرب هو ما تفرزه من تكوينات تتشكل خلالها، وتسعى للسيطرة على الحكم بعدها، استنادا إلى دورها في الحرب. وهو ما يتطلب ضبطا لفلسفة ومفاهيم الحكم الانتقالي الراهن وتحديدا لمهامه بعد التحرير. وأن أحد النواتج الخطرة ثانيا، هو ما يصيب أجهزة الدول من تفلت وتفكك وخراب واضطراب خلال الحرب، يمكن أن تستغله مجموعات متسلقة على دماء المضحين بأرواحهم، وهو ما ينبغي الاستعداد لمواجهته بالسرعة والحسم وبطرح آليات ديمقراطية لاختيار القيادات ولمواجهة الفساد الذي سيحاول استعادة السيطرة على الدولة مجددا. وثالث المخاطر هو حالة التفلت التي تصيب المجتمع، واليمن يبدو بلدا يعيش فيه الناس مستقلين متحصنين بتكويناتهم القبلية – المجتمعية الخاصة، خلف كل تبة أو جبل، وهو ما استثمره صالح ليكون هو الطرف الوحيد المسيطر على قلب العاصمة والدولة، عبر ترضيات للمهيمنين في الأطراف. وهو ما يتطلب توسيع شرايين نقل الدم بين العاصمة بإداراتها وقياداتها السياسية- بل بكل ضجيجها –من جهة، والمكونات المتشظية المنتشرة في ربوع اليمن من جهة أخرى. ينبغي أن تشهد إدارة البلاد، انتقالا إلى فكرة الأمة الموحدة والمجتمع الواحد. كما ينبغي استمرار حالة الثورة مع سعي فاعل لإحداث تغيير في النمط الثقافي والمعرفي لفكرة المواطنة، وإحداث ثورة حقيقية في الإعلام الجديد ما بعد التحرير، وقد كان ضعف إعلام الشرعية أحد أسباب تمكن صالح والحوثيين من تمرير فكر ديكتاتوري فاشي تحت ستر الظلام المعرفي. ورابع القضايا، أن يجري اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة في الأيام الأولى لتحرير البلاد. على قيادة الشرعية أن تعد رؤية محددة واضحة لفلسفة اقتصادية واجتماعية تعيد ترتيب أوضاع المجتمع اليمني، لتحقيق عدالة توزيع التنمية وعائداتها وتوسيع الفئات المجتمعية التي تشارك بفعالية في إدارة الاقتصاد والسلطة، فذلك ما يشل قدرة الانقلابيين ويحولهم إلى فلول مطاردة من المجتمع.هناك مهام ضخمة، قد يكون العمل العسكري الجاري أخف وطأة منها، والاستعداد لها بالفكرة والخطة والقرار، يبدأ من الآن، لا من الغد.