14 سبتمبر 2025
تسجيلجلس أمام الحاسوب كما أمره مسؤوله المباشر ينتظر الإذن بالذهاب لتغطية إحدى الفعاليات الرياضية. أخبره المسؤول ألا يبرح النظر إلى جهاز الحاسوب ففي أي وقت، في أي لحظة، سيرسل له البريد الإلكتروني المنتظر. كعادته كان في الصباح الباكر مستقرا أمام حاسوبه في العمل وبعد أن وقع على الحضور وطلب فنجان القهوة الأول جلس ينتظر وصول البريد الإلكتروني الذي لا يمكنه تفويته. كان جهازه النقال يصفر في كل لحظة مخبرا عن وصول رسالة جديدة لبريده الإلكتروني، وفي كل مرة يرفع بصره باتجاه البريد الوارد كان يصدم بأن الرسالة مصدرها جهة أخرى وليست الرسالة المنتظرة من المدير. مرت الدقائق بطيئة، ثقيلة، كأنها تزجف ولا تتحرك حركتها المنتظمة الرشيقة. أتته رسائل من الأصدقاء، وأخرى إعلانات تجارية، ورسائل ثالثة تحمل عناوين وكلاما لم يفهمه، لكن الرسالة المطلوبة لم تصل بعد. بعد ثلاث ساعات من تربص الجوع به، شعر أنه لم يعد قادرا على التسمر أمام الحاسوب، وأن عليه أن يذهب إلى الكافتيريا لتناول شيئ من الطعام. خاف أن تصل رسالة المدير وهو في قاعة الطعام، خاف ألا يأتيه إشعار عبر جهازه النقال فالعادة أنه ممل وثقيل، ماذا يفعل هل ينتظر أمام الحاسوب أم يرسل الفراش ليحضر له فطيرة يتناولها في المكتب؟ تذكر أنه لا يستطيع فعل ذلك أيضا فمديره المباشر أصدر أوامره بمنع جلب الطعام إلى المكاتب، وسمح فقط بالمشروبات الحارة حتى المواد الغازية منع جلبها إلى المكاتب بحجة أنها قد تبقى في المكان وتشوه المنظر العام!! أقنع نفسه أن من واجبه أن ينتظر أكثر، وتشاغل بمجلة قريبة منه أخذ يقلب فيها ويقرؤها على غير هدى. بعد أكثر من أربعين دقيقة إضافية نهض من المكتب مقررا أن عليه أن يتناول إفطاره أوسينخفض لديه السكر كما حذره الطبيب. استقل المصعد مسرعا، دخل المطعم واختار فطيرة مربى وكوبا من العصير، التهمها على عجل، واحتاج لثلاثة أكواب ماء بعدها حيث وقف الطعام في زوره من شدة استعجاله . عشر دقائق فقط هي التي فصلت ما بين ذهاب وإياب وليد من وإلى المكتب وهناك فتح الحاسوب فوجد الرسالة قد وصلت من المدير. نظر في الرسالة الثانية فوجدها من المدير أيضا. نظر في الرسالة الثالثة فوجدها من بريد المدير أيضا. في الرسالة الأولى أمر مباشر بالذهاب الفوري لتغطية الحدث الرياضي. والرسالة الثانية كتب فيها المدير: وأين أنت الآن؟ لماذا لم تجب على رسالتي الأولى؟ في الثالثة كتب المدير: مخصوم منك أجر يوم كامل لأنك مهمل ومستهتر ومقصر في عملك. هرول وليد إلى المصعد مرة ثانية واتجه لغرفة مديره المباشر وجد السكرتير وقال له: ادخلني على المدير، أنا لا أستحق أن أوصف بالإهمال، ولا أن يخصم عني أجر يوم كامل. السكرتير: احمد ربك على خصم يوم واحد، هذا زميلنا سعيد خصم منه قبل عشر دقائق راتب ثلاثة أيام ،لأن هاتفه مغلق رغم أنه في مكتبه منذ الصباح الباكر. وليد: ماذا تقول، خصم منه راتب ثلاثة أيام، لماذا كل هذا الاستبداد؟! السكرتير: اسمع يا وليد، اذهب بهدوء وانصرف من المكان واركب سيارتك متجها لتغطية الحدث الرياضي واكتب تقريرك عن الحدث كاملا ثم أرسله لبريد المدير. وليد غاضبا: ولكن كيف أغطي الحدث وقد خصم أجري اليوم، لا لن أذهب!! السكرتير: أنت تعلم ما سيحدث لك لو امتنعت عن الذهاب، سيعتبر هذا إعلان تمرد، وأخشى أن يطردك يا وليد. وليد : وكيف سيجد شخصا مثلي، أنا أصم أعمى أخرس، لا أناقش لا أجادل،لا أعترض،لا أظن أنه سيطرد جمادا بشريا مثلي؟! السكرتير:اخفض صوتك يا رجل، بيننا وبينه حائط، هيا أقصر الشر، وحافظ على رزق أبنائك، غادر المكتب وبسرعة، لا أريد مشاكل. وليد: سأغارد ،وسأذهب لأغطي الحدث، ثم سأعود إلى مكتبي حتى ولو انتهى الدوام لأرسل عشر رسائل شكر لفخامته لأنه اكتفى بخصم راتب يوم واحد فقط من أجري وقد بإمكانه فصلي. نعم فصلي أنا الموظف وليد الذي لم يحدث أن اعترض على عمل رسمي أو إضافي، أو طالب ببدلات أوعلاوات، سأفعل أيها السكرتير العظيم ، فأنا ومنذ عشرة أعوام أعمل هنا كالأجير الذي لا يعرف أهله هل يصرفونه نهائيا، أم يؤجلون صرفه . سأذهب يا صديقي لكن قبل أن أذهب أخبرني هل لديك دواء مسكن للألم ، فأنا أشعر بالتعب ،يبدو أنني أرهقت نفسي بالتوتر والقلق. قال وليد هذه الكلمات وارتمى مغشيا عليه،أحضر له الطبيب الذي كشف عليه وقال: لا بد من نقله للمستشفى، ضغط الدم لديه مرتفع جدا، ولا بد من الراحة التامة. نقل وليد بسيارة الإسعاف للمستشفى وبعد أن أفاق من غيبوبته كان إلى جواره السكرتير الذي فرح بإفاقته من الغيبوبة. قال له حمدا لله على سلامتك يا صديقي، أهكذا تقلقنا عليك يا وليد وليد: من أنت، وماذا تريد مني؟ ضحك السكرتير وقال: أنا زميلك سكرتير المؤسسة التي نعمل بها سويا!! وضع وليد يده على رأسه وقرع الجرس القريب من سريره. عندما أتت الممرضة قال لها: أخرجي هذا الرجل من الغرفة وليخبر سيده أنني قد قدمت استقالتي من مؤسستهم. طلبت الممرضة من السكرتير مغادرة الغرفة فورا، وبعد مرور ساعتين أتى الطبيب ليقيس الضغط وتفاجأ بأنه قد عاد لوضعه الطبيعي. قال الطبيب: الحمد لله يبدو أن الدواء قد ساعد في خفض ضغطك . وليد: لا أعتقد أيها الطبيب أن مفعول الدواء هو الذي خفض من ضغط دمي بل لأني أنزلت كابوسا ثقيلا كان فوق صدري وتخلصت منه. الطبيب :وكيف ذلك، وأنت لم تغادر الغرفة؟ وليد ضاحكا: غدا بمشيئة الله أخبرك بالتفصيل عن الحمل الثقيل الذي استطعت وأنا في مكاني بالمستشفى أن ألقيه من فوق كاهلي. ضحك الطبيب وقال حمدا لله على سلامتك .إذن غدا سأسمع حكاية منك. وليد ضاحكا: حكاية وليد الذي عرف قدر نفسه أخيراً.