15 سبتمبر 2025
تسجيلإذا ما تأملت الزمان وصرفه أدركت أن الموت ضرب من القتل هذا البيت لأبى الطيب المتنبى يحكى جل تاريخ العرب. القتلى فيه أكثر من الأموات، بل إن الموت نوع من القتل وليس كل القتل. فالقتلى الأحياء أضعاف من مات، الإهمال نوع من القتل كالموت تماما، التهميش قتل مؤلم ولعله أكثر إيلاما من الموت، الاقصاء، النبذ، الحرمان من الحقوق الإنسانية كل هذه أنواع من القتل تتساوى والموت تماما وموطنها ومشاعها عالمنا العربي ومساحته التاريخية والجغرافية. هناك يموت الفرد مرة واحدة وفى عالمنا العربي يموت عدة مرات، يموت في حياته قبل أن يدفن في قبره. هذه الجموع من البشر التي لا صوت لها ولا رأي تساق إلى الحروب دون أن تدرك القضية وتنادى إلى الاصطفاف دونما إرادة وتتظاهر بمرسوم وتصفق بأخر، تأكل لتجوع وتجوع لتأكل. في عالمنا العربي قد تخرج من دائرة الاقصاء والتهميش لكن دون ضمانات تجعلك بعيدا من العودة إليه، قد تصبح مرموقا ولكن دون صك قانوني يمنعك من الانحدار إلى سلم الرق، قد تملك الكثير ولكنه عرضة للتبدد متى أخللت بقواعد اللعبة، تنمو وتعيش أنواع القتل هذه وتتكاثر في البيئة العربية لأنها بيئة ديدنها اللا قانون وقاعدتها الاتهام حتى يثبت العكس ومرجعيتها انية مثل شمس النهار المتحولة. فلا داعى للخوف من الموت في مثل هذه البيئة لأن أسماءه الأخرى أو مترادفاته لها نفس الطعم والنكهة والرائحة. إذا لم تجد التنمية في أي بلد حتما ستجد الموت وضروبه. عندما لا يجد الإنسان الأفق مفتوحا له ليحلم ويأمل ويعمل لتحقيق ذاك الحلم وذلك الأمل يصبح صدره حرجا كأنما يصعد في السماء، عندئذ تبذر البذرة الأولى في الشعور بالموت ومترادفاته. انظروا إلى أفق مجتمع «لوثر» لما صاح أنا عندي» حلم» وانظروا لمجتمعه عندما تحقق ذلك الحلم. كم كان ذلك الأفق مرتفعا وعاليا في حين أن شاعرنا الكبير قال بيته هذا في تحديد مترادفات وضروب الموت التي كان يعانى منها أفق مجتمعه في حينه، ولم يدرك بأن هذا الوصف سيظل عنواناً لأمته بعد ذلك وأحد فنونها في صنع الضحية والتخفيف من آلامها في مواجهة مصيرها المحتوم.