14 سبتمبر 2025

تسجيل

الإعدام جوعا في بلاد العرب

12 يناير 2016

في الأسبوع الماضي فقدنا والدي الشيخ خالد بن ظاهر، رحمه الله وغفر له، لم يكن فقدنا له مجرد موت رجل كان سيموت بأمر الله كما ولد بأمره تعالى، بل إن فقدي شخصيا له كان منذ عشر سنين مضت، حيث أصبح عاجزا عن القيام بنشاطه الذي نشأ عليه منذ كان بدويا يجوب البلاد من بواديها إلى مدنها، كان الفقيد واحدا من أبرز رجالات الأردن الذين يتسابقون في توفير احتياجات الناس خصوصا الأغذية، في السنين الغابرة حيث كان السواد الأعظم من مواطنينا يعيشون شظف العيش، وفي بيت العزاء يأتي رجال مسنون يحدثوننا عن جهوده في تأمين " شاحنات المواد الغذائية" التي كان يحصلها من الحكومة لتوزع على أهالي القرى كما كان والده من قبله، وفي حسرة الفراق أتذكر كيف رحمه الله يصدّ عن الطعام ولا يشتهيه، فيما جسده يتناحل، كل هذا وخيرات الله متوافرة مما يشتهي المرء، بينما أتعذب لأنه لا يأكل.اليوم نرى كيف وصلت الهمجية والوحشية السياسية حداً لا يمكن للعقل البشري تخيلها حينما تحاصر قوات النظام السوري ومليشيات حزب الله والمتعاونين معهم لمناطق مضايا وسرغايا وبقين وجبال غرب دمشق، ليتركوا المواطنين هناك يموتون جوعا، ويُدفع الأطفال والنساء إلى العيش كالقوارض، بل إنهم يأكلون القوارض والجيف والحشائش، والهزال يفتك بهم أحياء، في مظلمة لم تشهدها العرب في تاريخهم، فيسأل المرء المشدوه: ترى كيف يتحمل أولئك القادة والعسكريين تلك المشاهد بينما لو كان والد أحدهم أو ابنه أو زوجته تعاني من مرض يمنعها عن الأكل والشرب لأكلت الحسرة قلبه، ولكن هل لهم قلوب تخفق بالرحمة؟ما يحدث في سوريا من حصار جماعي لأبناء الشعب الأعزل هو جريمة إبادة بشرية تحاكي ما جرى في الدول المتخلفة قيادتها عقليا ونفسيا كرواندي وشرق آسيا، ولكن أن يحدث ما حدث من حصار لما يزيد على أربعمائة ألف موطن هي جريمة يشترك العالم فيها خصوصا الدول الكبرى المنخرطة في الصراع السوري ومنها روسيا التي فاقمت مأساة الناس هناك من خلال القصف الممنهج لمواقع تواجد المعارضة السورية، بدعوى محاربة الجماعات الإرهابية فيما هي تحاول بائسة إنقاذ النظام الحاكم وإطالة عمره بإطالة أمد الصراع، مراهنة بذلك على المتغيرات التي قد تطرأ في العالم العربي والعالمي.لقد بات واضحا حجم المأساة، وإن كانت القنوات الفضائية العربية والعالمية ووسائل التواصل الاجتماعي قد شاركت في فضح ما يجري في المناطق المقاومة للنظام، والمناطق الواقعة تحت القتال المتبادل بين الفصائل، فإن هناك ما لم يتم الكشف عنه في السنوات السابقة، فمدينة حمص التي تمت محاصرتها لأشهر طويلة، لم تكن بأفضل حالا من المناطق التي تعاني اليوم من الحصار الغذائي، تحت تهديد السلاح والمدفعية والبراميل، فحمص دفع أهلها ثمنا مجحفا قبل أن تخرج العائلات هربا من الجحيم.إن المناطق التي تحركت لها المساعدات الغذائية والطبية يوم أمس الإثنين في مضايا وسرغايا، يقدرّ عدد المحاصرين فيها حوالي أربعين ألف إنسان حسب تقديرات برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة، وقد سبق وأن تم إدخال كميات من المواد الغذائية في وقت ماض، ولكن تبين أيضا أن كميات من المواد كانت فاسدة، وهذا إهمال آخر وجريمة ترتكبها المنظمات التي يستخدمها النظام والدول الغربية كمنظفات للجرائم الواقعة على المدنيين، فهي لا تجعل نفسها طرفا في الصراع، بل تحاول تقديم المساعدات بعد حصول الكارثة، فيما الأمم المتحدة والدول التي تسيطر عليها وعلى القرارات الدولية لا تتخذ القرار الصحيح لإنهاء الصراع ومأساة السوريين.يجب على العرب أن يعودوا إلى رشدهم، وأن يتذكروا على الأقل طبيعتهم العربية الإسلامية النبيلة التي تنتصر للمروءة والشهامة والكرم وإغاثة الملهوف وحسن معاملة النساء والأطفال والشيوخ، فالفقر والحاجة لم تكن غريبة على المجتمعات العربية قبل خمسين عاما وأكثر، حيث كانت المشاعر تتحرك عند فقدان إنسان واحد، وتدمع الأعين لموت طفل، وتثور الشيّم عندما تتعرض امرأة إلى ضيم أو اعتداء، أما اليوم فإننا نرى ونسمع ونعرف عن آلاف المواطنين العرب من المسالمين وهم يموتون تحت الحصار الظالم جوعا ومرضا وبردا في سوريا والعراق وغيرها، ولا نحرك ساكنا لنصرتهم، بينما شركات الأسلحة الغربية قد تضخمت ميزانياتها جرّاء صفقات الأسلحة التي تبيعها لنا لنتقاتل.إن الدول الكبرى لا يهمها تعداد الوفيات التي تقع في مناطق الصراع العربي، وليس لها أي ذنب فيما اقترفته أيدينا عندما لم نتفق على مبادئ حرية وكرامة الناس وتحقيق العدالة لهم، وكل ما رأيناه وما نشهده اليوم من مؤتمرات دولية وتصريحات رئاسية فيما يخص سوريا واليمن والعراق وليبيا، ليس سوى استهلاك سياسي لإعادة بناء تصور جديد لعالمنا العربي، وكل ذلك على حساب مستقبل أجيالنا، وذكريات آبائنا الذين كانوا يسطرون أروع صور الكفاح والتراحم والنخوة رافعين مبادئ الإسلام والعروبة، وهاهم يموتون وهم يرون كيف أن بلاد الشام التي كانت لبنا وعسلا، تحترق لأن شرذمة من المجانين تحكم وتتحكم بمصائر شعوبها،وتحكم عليهم بالإعدام جوعا