10 سبتمبر 2025

تسجيل

صناعة الخوف

11 ديسمبر 2023

في مايو 1948 نجح الكيان الصهيوني الناشئ في ذلك الوقت في أن يطيح بعدة جيوش عربية «إن كان يمكننا أن نسميها جيوش لأن الدول كانت تحت بقايا سلطة الاستعمار أو نالت استقلالها أو تأسست قبل الحرب بسنوات قليلة»، سميت هذه الحرب بحرب النكبة، ثم مرت السنوات ووصلنا إلى حرب يونيو 1967 عندما نجح الكيان الصهيوني في إلحاق هزيمة مهينة بالجيوش العربية، فظهرت أسطورة الصهاينة الكبرى «الجيش الذي لا يقهر». مرت السنوات وتم أدلجة الإعلام وصناعة وعي عربي تام بأن الجيش الصهيوني لا يقهر حتى بعد نصر أكتوبر 73 (إن كنا نقتنع أنه نصر تم دون اتفاق يلحقه معاهدة سلام)، وأن محاولة الدخول مع الصهاينة في حرب هي خسارة لا محالة، كان هذا فقط في أروقة الساسة ودهاليزهم، حيث ذهبوا للسلام ركضاً ثم مشيا ثم حبواً ثم رجاء، لكنهم لم ينالوا شيئاً أكثر مما نالته الجيوش العربية في نكبة 48 وهزيمة 67. هذه الهزيمة النفسية التي صنعها العرب وعاشتها شعوبهم لم تتوقف عن أسطورة الجيش الذي لا يقهر، بل امتدت لكل شيء آخر صهيوني، المخابرات التي لا تقهر، التكنولوجيا التي لا يمكن مضاهاتها، الاقتصاد الذي لا يمكن منافسته، الإعلام الذي لا يمكن صناعة بديل له، السينما التي لا يمكن إنتاج شبيه لها، وصولاً إلى كل مناحي الحياة التي تساهم في إضعاف النفس وإهمال العمل والهزيمة قبل أي فعل أو عمل. نحن مهزومون نفسياً، نحن مهزومون إعلامياً، نحن نعاني من صناعة الخوف بداخلنا، ومن صناعة الوهم في عقولنا، ومن ترسيخ الهزيمة في وعينا. وحدهم المقاومون الذين رفضوا هذه الفكرة، بغض النظر عن أيدلوجياتهم ومنطلقاتهم الدينية أو المذهبية أو الفكرية، قاوموا، وقاتلوا، وأثبتوا للجميع أنه ليس هناك جيش لا يقهر، وإن كان هناك دليل على صحة ذلك فاسأل أهل فيتنام والصومال وأفغانستان كيف ركعوا المحتل الأميركي ورجع متقهقراً يجر أذيال الخيبة. بداية حزب الله الذي كسر شوكة الكيان الصهيوني وأصبح بعبعا لا يخاف شيئا مثل خوفه من أن يدخل الحرب، تخيلوا أن الصهاينة لا يخافون شيئاً من أي جيش عربي في العدوان على غزة، بل يخافون من دخول حزب الله في الحرب. مروراً بحركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» أيام ما كانت حركة تحرير ومقاومة، تقاتل من أجل الشرف والأرض، تقاتل من أجل المقدسات والدين، تقاتل من أجل فلسطين، كانت حركة مقاومة مسلحة يركع أفرادها الكيان الصهيوني في معارك عديدة، لهذا كان أول شروط عملية السلام على فتح إيقاف الكفاح المسلح، وقد وافق «تجار» فتح على ذلك رغم أنهم كانوا من المؤسسين. حماس، وأي فخر يعتري المرء عندما يتحدث عن هذه الحركة المقاومة، آخر باب للمقاومة في أمتنا الإسلامية، وكيف أنها ركعت الجيش الصهيوني في العديد من المعارك رغم كل الإمكانيات البسيطة والقدرات التي لا تقارن بالعدو والتضييق من الأشقاء قبل الأعداء، كانت ولازالت حماس شوكة في حلق المحتلين، وستبقى بإذن الله سلاحاً يطردهم من أرض فلسطين. ولا ننسى هناك جميع الحركات الجهادية التي في فلسطين، والأفراد الذين اتخذوا يوماً قرار المقاومة الفردي، والدفاع عن المقدسات والأرض، كلهم كانوا أبناء الشجاعة، لا أبناء صناعة الخوف العربي. يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه» الناس من خوف الذل في ذل» وهكذا ستبقى أمتنا طالما أنها خائفة من الهزيمة، خائفة من المواجهة، خائفة من الذل، تعيش في إذلال من الصهاينة. فلسطين أرض الرباط، وستبقى كذلك، وسيبقى أهلها وما يقدمون لنا دليلاً على أن العزة لله، وأن الأمة ستبقى أمة ما بقي فيها أمثال أهل غزة.