27 أكتوبر 2025

تسجيل

دورة كأس الخليج

11 ديسمبر 2019

أُسدلَ الستارُ يوم الأحد الماضي على أحداث دورة الخليج الرابعة والعشرين لكرة القدم بفوز منتخب البحرين على منتخب المملكة العربية السعودية بهدف للا شيء. وهذه هي المرة الأولى التي يفوز بها منتخبُ البحرين منذ إقامةِ الدورة في البحرين عام 1970. ولقد سعدنا بوجود جميع الأشقاء من دول الخليج العربي على أرض الدوحة، دوحة الجميع، خلال دورة كأس الخليج الرابعة والعشرين، واستمتعنا باللعب النظيف، وروح المثابرة والتألق التي ظهرت عليها الفِرق الخليجية، والمفاجآت التي حدثت في المباريات، وتقدّم فِرقٍ متواضعة وتأخر فِرقٍ متقدمة، وتلك من مفاجآت " المستديرة المجنونة". بالطبع أسعدَنا المنتخبُ القطري في مبارياته، وحقّق آمالَ الجماهير في التأهل للدور الثاني، وكانت مباراته مع المنتخب الإماراتي قوية، ومثيرة، نظراً لظروف المباراة، وما تحوّطها من تعليقاتٍ من أطراف عديدة، بأن المنتخب الإماراتي سوف " يثأر" لهزيمته في دورة كأس أمم آسيا، التي استضافتها أبوظبي، وحقَّق فيها المنتخبُ القطري كأس البطولة ولكن ظهر منتخبُنا الوطني بمستوى عالٍ وحقَّق أربعة أهداف نظيفة. كما ظهرت تعليقاتٌ بأن المباراة ستكون نديّة وقد تتخللها حالاتُ عنف!؟ ولكن لله الحمد، لعبَ الفريقان مباراة قوية وهادئة، ولم يحدث في المباراة أيُّ مُنغص، وتلك هي أخلاق الرياضة، التي تترفع عن دنايا العصر، أو الجنوح في مسألة الغالب والمغلوب. نعم، تُحقق الرياضة ما لا تستطيع تحقيقه السياسة، في قضية التقارب بين الشعوب، واختلافات الرأي، أو التشابك في قضايا المصالح أو النيّات غير الواضحة. ولقد جاءت دورةُ كأس الخليج في حُلّة فريدة هذا العام، حيث تم استخدامُ التكنولوجيا في حجز المقاعد، واستخدام المترو ( الريل) في التنقل بسلاسة من أماكن السكن إلى الملاعب والعكس. ولعلنا نعتبر ذلك (بروفة) للحدثِ العالمي الذي سيحدث عام 2022 على أرض قطر، وهو المونديال العالمي، كأس العالم. وكان دخول وخروج الجمهور سلساً وهادئاً، رغم أن عدد الجماهير تجاوزَ الأربعين ألف متفرج، تماماً كما هو وجودهم في المدرجات، حيث أثبت الجمهورُ القطري أصالته، المعروف بها، ولم يخرج عن ذوق و(سنع) أهل قطر، ولم يستحضر مشاهدَ غير سوّية أحدثتها بعض الجماهير في مناسبات سابقة، حيث وقف الجمهور القطري أثناء عزف النشيد الوطني للدولة المتبارية، مُحترماً أصول اللياقة الدبلوماسية، وتقّبلَ خسارته من منتخب السعودية بروح رياضية عالية. كما صاحبَ ذلك أمسياتٌ فنيةٌ في أماكن عدّة من الدوحة، حيث استقبلت تلك الأماكن الجماهير الخليجية، وأفسحت لها المجال لُتعبّر عن خلجاتِها على أرض المحبة، قطر. وهذا ما أثبت نقاءَ السريرةِ القطرية، روحَ المودة التي يكنُّها الرياضيون القطريون للفِرق الخليجية. ولقد كان الإعلامُ الرياضي، بكافة أشكاله واتجاهاته، رزيناً في تناوله للأحداث التي واكبت البطولة، ومسائل الاختلاف أيضاً. وبرز المعلقون على المباريات بروح حيادٍ واضحة، وقلّت جرعة " الإفتاء" التي غالباً ما تظهر في التعليقات الرياضية الأخرى. كما أن وجود تقنية فار ( Video Assistant Referee) – البعض ينطقها (فار) وهي فار ( بثلاث نقاط على الفاء – وبحرف الـ V) !؟، قد أعان الحُكام على حُسن التيقن من قراراتهم، وأقنع الجمهور واللاعبين برجاحة أحكام الحُكام! وفي البرامج الرياضية، ومنها (المجلس) أُثيرت مواضيعُ هامةٌ، واستمتعنا بالرأي والرأي الآخر، والتوقعات، وأيضاً بعض التشنجات من بعض الضيوف، الذين كانت لهم آراء أسهمت في إنجاح البرنامج، وغيره من برامج القنوات الرياضية، كما لاحظنا في النقل، أن الكاميرا تلاحقُ كلَّ مشجعي الخليج دون استثناء، ودون حظر، فظهر المُشجع البحريني إلى جانب السعودي، والإماراتي إلى جانب العراقي، والكويتي إلى جانب العماني، فلا حظر على أحد، ولا انحياز أو إغفال لأي أحد. وتلك من أخلاق الإعلام الرياضي. وفي المباراة النهائية ظهر لاعبو ومسؤولو المنتخب البحريني على وسائل الإعلام القطرية وعبّروا عن فرحتهم بالفوز بكأس البطولة. وهذا من أخلاق الرياضة وحياد الإعلام. الجنود المجهولون في القضية هم رجالُ الأمن ورجالُ الشرطة، الذين آمّنوا الطريق والمنشآت بهدوء تام، ويقظة رزينة لاحتواء أيةِ مُنغصات، بل إن استقبالات الفِرق وفتح طُرقٍ خاصة لهم في المطار، وإعطائهم الحرية في التعبير بأهازيجهم التي يحبُّونها، كانت واضحة على الواقع وعلى الشاشات. ومن محاسن الدورة أنها جمَعت الأقارب على أرض المحبة، فتعانق الأقرباء الذين لم يلتقوا منذ فترة واحتضن بعضُهم البعض، في لوحة مؤثرة وإنسانية، شاهدناها عبر أدوات التواصل. كما تم تأمين استقبال أكثر من 11 طائرة من مملكة البحرين، وإيصال المشجعين إلى الملعب بكُل سلاسة وأمان. ولقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مؤثراً في الترويج للدورة، والترحيب بالأشقاء على أرض قطر، وساهمت في نشر بعض الملامح التي فاتت على بعض القنوات، رغم الشذوذ الفكري للبعض الذي حاول دمجَ السياسة في الرياضة بكلمات غير لائقة، وغير موفقة، في بعض بلدان الخليج. ولئن استحضَر الجمهورُ القطري فوزَ المنتخب القطري بكأس أمم آسيا قبل شهور في أبوظبي، فإن فوزَ اللاعب (أكرم عفيف) بجائزة أفضل لاعب في آسيا، هو الآخر أسعدَ هذا الجمهور، وأثبت جدارةَ التخطيط الإداري للرياضة في قطر. ومن ذكريات هذه البطولة حضور المسؤولين القطريين وعلى رأسهم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وأخوانُه، ووقوفهم مع اللاعبين، وتشجيعهم اللعب النظيف الراقي. ما كان له الأثر الطيب في نفوس الجميع، ولقد أدمع عيونَنا صوتُ السيدة البحرينية التي لفتَت نظرَها ابتساماتُ سمو الأمير المفدى وبشاشته مع لاعبي البحرين، وكان صوتها من القلب وبكُل تلقائية. وهذا شأنُ شعوبِ الخليج الذين يؤمنون بالمصير الواحد والطريق الواحد. دورة كأس الخليج، التي تُطلُّ علينا كلَّ عامين، تُشكِّلُ واحةً غنّاء، يلتقي فيها شبابُ الخليج وشيوخهم، بعيداً عن المُنغِّصات والنوازع، في لوحةٍ جميلة تُجسِّد روحَ الرياضة، وفنَّ اللعب، وإظهار المهارات، وهي في نفس الوقت، رحْمٌ طيب يلدُ لاعبين شبابا لهم الحقُّ في المشاركة الإقليمية والدولية. عاشت دوحةُ الجميع أياماً سعيدة مع أهل الخليج، وتفنّن لاعبو الخليج في إظهار فنونِهم الكروية، وأسعَدوا الجمهور أيّما سعادة، ولكن علينا أن نتذكر أن الكُرة " مدوّرة" ولا تستقرُ على حال، فمَن كان مُنتصراً بالأمس قد يخسر اليوم، والعكس بالعكس! وكما القلوب تسعدُ بالفوز؛ على العقول تقبّل الخسارة بروح رياضية. كان صوت الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، وردةِ دوراتِ الخليج، مُفعماً بالصدق والمحبة عندما هنأتهُ بفوز المنتخب البحريني، ووعَد بزيارة قريبة للدوحة.