14 سبتمبر 2025

تسجيل

قمَّةُ المِسْمارِ الأَخير

11 ديسمبر 2018

انفضّ سامرُ قمة الرياض، التي عقدت يوم الأحد الماضي، بصدور بيانِ وإعلانِ الرياض اللذين لخّصا ما كان على جدول الأعمال، الذي كان عبارة عن «تلصيق» لمواضيعَ سابقة، أعادتنا إلى قمة 1981، التي تَغنّت بالوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تماما كما هو التغنيّ بالمصير المشترك و»الإنجازات» التي حققها مجلس التعاون، والذي «عَجز» عن حلّ قضية حصار أهل المجلس لدولة قطر، وهو موضوع محوري، أهم من تعيين قائد للقوات المشتركة، أو وضع خارطة طريق!. إن موضوع حصار قطر موضوعٌ مُهم، كان يجب أن يكون على جدول الأعمال، كما أن نقل مقر الاجتماع من المكان المقرر له سلفًا، إلى مقر الأمانة العامة بالرياض، وهي طرفٌ أساسي في (حلف حصار قطر، مع الإمارات والبحرين) قد زاد في خلط الأوراق، إذ لو عُقدت القمة في مسقط، لما تردَّد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن حضورها، والمشاركة الفعّالة فيها، ولكن يبدو أن مَن خطَّط لذلك، كان يهدف إلى تقليل درجة الحضور القطري في القمة، ويُعيد القضية إلى المُربع الأول، والتي أكدها وزير الخارجية السعودي (خالد الجبير) خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب القمة، حيث أعاد إلى الأذهان، عند ردّه حول عدم حلّ الأزمة الخليجية، بأن تلتزم قطر بالطلبات التي قُدِّمت إليها، وأن تعود إلى المجلس بعد التزامها بالشروط الثلاثة عشر، والمبادئ الستة، وعاد من جديد – والقمة تُعقد في بلده – ليُلحق تهمة الإرهاب بدولة قطر، وبلادةُ ووليُّ عهدِها للتو قامت بإرهابٍ لا نظير لها، بتخطيط وتنفيذ عملية اغتيال الصحافي (جمال خاشقجي) في قنصلية بلاده باسطنبول، والتي تقع تحت المسؤولية المباشرة لـ (الجبير)، وهذا ما اعترفت به النيابة السعودية على الملأ، ثم عاد (الجبير) ليتحدث عن الأسرة الخليجية الواحدة، والماضي والحاضر والمستقبل المشترك، داعيًا قطر إلى «تغيير» سياساتها، وهو أمرٌ يُلغي سيادات الدول على قرارها السيادي، وهو أمرٌ لا يرتضيه لدولته، كما أن هذا الأمر لا يجوز أن يصدر عن وزير خارجية دولة عضو في مجلس التعاون، في الوقت الذي ظهر فيه أمين عام المجلس (الدكتور عبداللطيف الزياني) ولكأنه أمين عام دول الحصار، وخالفَ المادة (4) من النظام الأساسي للمجلس، حيث إنه لم يُساهم في «تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها، في مختلف المجالات»، ولم يُطالب الرجلُ دولَ الحصار باللجوء إلى الحوار العاقل، كما دعت لذلك دولة قطر مراراً، وأشار (الزياني) إلى وجود خارطة طريق جديدة لتحقيق رؤية (المملكة) وتنظِّيم علاقة الدول الأعضاء مع المجتمع الدولي، وتلك إشارة إلى نيّة «فرض» خطاب موحد للسياسة الخارجية لدول المجلس، لا يمكن أن يقبلها عقل، ولكأنه يقول للقادة: «ما تقوله السعودية يجب أن يُنفّذ!» وهذا قول جانبتهُ الحِكمةُ والحَصافة. ( ولا أعلم سبب ذكرهِ – رؤية المملكة – التي أُقرَّت في قمة الرياض عام 2015؛ ويبدو أنه أخذ النصَّ من الخارجية السعودية وعمَل له ( Cut & Paste )!، ولم ينتقد شقَّ المجتمع الخليجي بإغلاق الحدود المشتركة مع السعودية، وتشتيت الأُسَر المشتركة؛ علمًا بأنه ما زالت هنالك مُراجعات ومواقفُ لم تُستكمل حول دراسة تلك الرؤية من قِبل جميع الدول!. وللذين تساءَلوا – من صحافيي دول الحصار في فضائياتهم – عن سبب عدم مشاركة حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر في القمة، نقول: إن واقع الحال المتمثل في حصار دولة قطر، من قِبل صاحبةِ الدعوة ( المملكة العربية السعودية)، واثنتين من الدول الأعضاء، لا يُمكن أن يُهيّئ الأرضية لمشاركة زعيم دولة مُحاصَرة، في تلك القمة. كما ما انفكَّ إعلامُ دول الحصار يُردِّد عبارة «نظام الحمدين»، في كل إشاراته لدولة قطر، فكيف تتم دعوة قائد «نظام الحمدين» إلى تلك القمة؟ وهذا أمرٌ يتناقض مع العقل، ومع مسوغات مشاركة سمو الأمير المفدى في القمة. ولقد جاء في البيان الختامي أن «قادة دول المجلس يؤكدون حرصَهم على الحفاظ على قوة وتماسك ومَنعة مجلس التعاون، ووحد الصف بين أعضائه» ونحن نتساءل: مَن شقَّ الصف الخليجي في مايو 2017؟ وَمن أغلق الحدود والأجواء في وجه الشعب الشريك والمشارك تاريخيًا واجتماعيًا وجغرافيًا في خارطة مجلس التعاون؟ ومَن منع الحجاج القطريين والمقيمين في قطر من أداء شعائر الحج، الخاصة بالله، وليس بالسعودية ؟ وإلى متى ستظل أمانةُ المجلس تتلاعبُ بالكلمات، في كلِّ قمة، وهي بعيدة كلّ البُعد عن أهمِّ شرخٍ حصل في تاريخ مجلس التعاون، وهو حصار دولة قطر، منذ عام ونصف، ولم تُحرِّك الأمانةُ العامة ساكنًا باتجاهِ حلِّ تلك الأزمة؟! وكان الأجدى بأمين التعاون أن «ينفُضَ» بشتهُ، ويطوفَ دولَ الخليج بمبادرة من عقله وعقول الخبراء العديدين حوله، لا أن «يقبعَ» عامًا ونصفا خلف جدران الأمانة العامة، ولكأنهُ سكرتير في وزارة الخارجية السعودية. هذا ليس دور الأمانة العامة، ولا يجب أن يكون كذلك، لأن الأمانة العامة – في كلِّ المؤسسات الإقليمية والدولية – يجب أن تُعامِل جميعَ الأعضاء على قدم المساواة، ولا تكون طرفًا في نزاع بين عضوين، وأن تُحافظ على وحدة وتماسك المجلس، ليس عبر الدعاية الإعلامية، وتجاوز الحقيقة، بل عبر مبادراتٍ، وفتحِ خطوط الحوار بين أهل الحصار ودولة قطر. إن أبلغَ رسالةٍ خرجت من «هوجة» الرياض، عشيّة القمة، هي تفقُّد سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد عَلم دولة قطر، والتأكُّد من وجوده في القاعة، وهذا الفعل النبيل، أهمُّ من كلِّ قرارات القمة التي ضمَّها البيان الختامي، الذي أعادنا 37 عاماً إلى الوراء، فلا تحققت الوحدة الاقتصادية، ولا الاتحاد الجمركي، ولا العملة الخليجية، بل تقطّع مشروعُ خط السكك الحديدية، الذي «انتشت» به الأمانة العامة طويلًا، بعد أن قامت السعودية بإغلاق منافذها البريَّة مع دولة قطر. تمامًا كما منعت طيران القطرية من العبور في أجوائها، وأيضًا فعلت ذلك بقية دول الحصار. إن الهذيان السياسي، والصرفَ على شركات الدعاية والعلاقات العامة، من أجل «شيطنة» قطر، لم يحققا أهدافها، ولو كان هنالك صوتُ عقل لدى الداعين لقمة الرياض، لأَمروا بوقف الحملات الإعلامية التي تصدر عن أبواقهم الإعلامية، ولبادروا بفتح الحدود، أو إعلان فتح الحدود، والدعوة إلى الحوار على الطاولة، دون خجل أو خوف، ودون شروط مسبّقة، كما دعا إلى ذلك صاحب السمو الأمير، وهي دعوة الشجعان، التي للأسف لم تُقابل بالمثل. وعشية القمة تظهر قنواتُ الحصار بمقابلات مع صحافيين سعوديين وعرب، يُكيلون التُهم لدولة قطر، ويؤكدون أن «أمير قطر هو الغائب الوحيد عن القمة»، بينما هنالك ثلاثة قادة غابوا عن القمة. ويصفون هذا الغياب بأنه «تغريد خارج السرب»، وهو قول غير حكيم، ويُثبت حالةَ «الاهتياج» في وسائل إعلام دول الحصار، ويغيب عن بال هؤلاء «المُحللين» السياسيين، مَن غاب عن قمة الكويت. وللأسف، خلا البيان الختامي من الدعوة العاقلة التي أطلقها سمو أمير دولة الكويت بوقف الحملات الإعلامية بين دول المجلس، وذلك تجاهلٌ مقصود مِمن أشرفَ على وضع البيان الختامي، ويُدللُ على أن الأزمة يريدونها أن تستمر، بل إن دول الحصار لا تُؤيد حلَّ الأزمة التي افتعلتها. وفي حقيقة الأمر، لقد كرَّر صاحب السمو الأمير أكثر من مرة دعوته لحلِّ الأزمة عن طريق الحوار، ولم تتجاوب أيٌّ من دول الحصار لتلك الدعوة الصادقة، فكيف يُمكن أن يجلس قائدُ دولةٍ على الطاولة، أمامَ مَن تجاهلوا دعوته بصورة فجّة وغير دبلوماسية؟!. وللأسف، عشية انعقاد قمة الرياض، ظهر شريطٌ مصوَّر من فصل دراسي في السعودية يُحرّض الطلاب، ضمن الحملة على دولة قطر، على التشكيك بالدولة، ويربطها بالإرهاب، وإطلاق مسميات غير تربوية، ويتهم (الإخوان المسلمين) بتعكير صفو الأمن في السعودية بدعم من قطر! وهذا كلام لا يجوز أن يتعلّمه الطلاب اليافعين في المدارس!. في الختام نقول: قمة الرياض ما كان يجب أن تُعقد، وسط هذا الاهتياج السياسي والإعلامي، والمشاعر المتناقضة، والمواقف العدائية بين دول المجلس، وأعتقد أن هذه القمة قد دقّت المسمارَ الأخير في نعش مجلس التعاون، تمهيدًا لظهور (حلف) أمني جديد، سوف يُعلن بعد حين، وقد لا تدخل فيه كلُّ دول مجلس التعاون!.